فهمه؛ وأنت أفلا ترى معي ومع الناس أن سوء الفهم وخطاً الفهم وعدم الفهم.

كل ذلك في مَرَدًه إلى معنى واحد هو سقم الفهم.

إنك لتجمع الكتب وتحفظ التاريخ وتدرس الأدب، فهل نفعك ذلك في

قول الشعر حتى ذهب ديوان طه حسين بديوان المتنبي. . .؟

وأنت تدرس البلاغة وتعرف قواعدها وأمثلتها، فهل أعانك ذلك في قطعة

بليغة يعرفها لك الناس ويتناقلونها ويرونها من البيان في موقع ومن الجمال في

منزلة؛ وهل جئت قط في كتابك بشيء من الوصف، أو قضى لك الناس بخيال ابتدعته أو مجازٍ اخترعته؟ وهل كتبت شيئاً في الحب والجمال وفلسفتهما وأوصافهما؟ فهذا كله من بعض العلة في أنك لا تفهم

"رسائل الأحزان " إن صح قولك أنك لا تفهم!

وعلة أخرى: لمَ تكرر الكلام دائماً في غير حاجة إلى التكرار مع أن

أصحابك يرون هذا من أقبح العيوب، ويقولون إن المذهب الجديد. . .

قائم على الأسلوب التلغرافي، فإذا كتبتَ فقدر أنك سترسل المقالة بالتلغراف وتدفع أجرة إرسالها، لقد كنتَ أفلستَ من زمن بعيد يا دكتور لو حققوا معك هذه القاعدة وأرسلوا مقالاتك بالتلغراف.. ولكن لِم تلتزم هذه الطريقة حتى أصبح كالشعوذة المطبعية أن تكتب ستة أسطر وهي ثلاثة بعد حذف المكرر والحشو؟

كنت أقرأ مقالة افتتاحية في "السياسة" ومعي أديب، فدفعتها إليه وقلت:

لمن ترى هذه المقالة؟ فنظر فلم يجد عليها توقيعاً، فقلت له: لا يجب أن يكون التوقيع في ذيل المقالة بل قد يكون في أثنائها!

قال: فأين هو؟

قلت: اسمع: هذا هو التوقيع.

"فعلوا هذا، نعم فعلوه، فعلوه؛ أقسم لقد فعلوه، فعلوه. . . ".

أفمن يكتب هذا الهُراء ونحوه يرتقي به الفهم إلى دقائق المجازات

والاستعارات والكناية والإشارة ونحوها مما قامت عليه هذه اللغة في بيانها

وبديعها، وما لو حذف منها لتعطلت من كل محاسنها ولما صح أن يكون فيها

كلام معجز ولا مقبول ألبتة؟

وما العلة في هذا وما السبب في أنه لا ينفق لك أبداً خيال رائع، ولا تبدع

شيئاً مما يبدعه الكتاب في كل الأمم، إلا مرة واحدة أردت أن تصف المرأة

الجميلة في رواية "الإغواء" منذ أسابيع فقلت: صورتها، حركاتها، ألفاظها.

زيها، مذهبها في الحوار والكلام: هي فتنة تتحرك ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015