فتنة تتحرك! لا أعرف لك في كل كلامك أحسن ولا أبدع من هذه
الكلمة، وأنت تعرف من أين أخذتها وإن كنت لم تحسن السرقة، وإلا فما
قولك حين تكون هذه (الفتنة) نائمة؛ أفتريد أن أدل قراءك في أي رسالة
"من رسائل الأحزان " وصف الألفاظ والحركات والزي والمذهب في الجدال
والشكل والدل وأنها فتنة خلقت امرأة؟
تقول في نقدك: "يجب أن أكون منصفاً (كذا وكذا) فأنت تستطيع أن تقطع
كتاب الرافعي جملاً جملاً، وأن تجد من هذه الجمل طائفة غير قليلة
"اسمعوا. . . اسمعوا" فيها شيء من جمال اللفظ يخلبك ويستهويك "تنويم
مغناطيسي بالبلاغة" وفيها معان قيمة لا تخلو من نفع، ولكن المشقة كل المشقة في أن تصل هذه الجمل بعضها ببعض وتستخرج منها شيئاً".
إذن فالمشقة عليك ليست في الفهم ولكن في صلة الجمل بعضها ببعض.
وأظن هذه المشقة بعينها هي التي تجعل من طبعك تكرار الكلام دائماً في غير
طائل ولا منفعة، وإذن فمن سبيلك أن تحسن فهم كتب التاريخ والحوادث
وحدها دون سواها مما لا يقع في الذهن متصلاً بعضه ببعض، وإذن فلك
مذهب لا ينبغي أن نعرض له كما لا ينبغي لك أن تجعله قياساً تقيس عليه!
ثم كيف يكون في الكتاب "معان قيمة" وجمل تستهوي وتخلب وهي مع
ذلك طائفة غير قليلة، مع أنك تصرح قبل هذا الكلام بنصف سطر أبيض. . . -
يعني مباشرة بالكلام الذي تفهمه - فتقول "أتممت الكتاب " ولم تفهم منه شيئاً؟
لا بد أن لك منطقاً خاصاً بك إذا كانت المقدمة فيه أنك أتممت كتاباً برأسه لا تفهم منه شيئاً.
فالنتيجة من هذه المقدمة أن في الكتاب طائفة غير قليلة تستهوي
وتخلب وفيه معان قيمة أيضاً. . .!
وهل هذا أقبح في التناقض أم قولك "ورأي في الكتاب أني لا أفهمه، فلا
"أستطيع " أن أقول إنه جيد أو رديء، بل "أستطيع" أن أقول إني لم أفهمه.
وإذن "فلا يمكن " أن يكون جيداً. . . لا.
فأية الاستطاعتين هي الكاذبة المردودة؟ وإذا كنت لا تفهمه وكان من أجل
ذلك (من أجل ذلك وحده) لا يمكن "يعني يستحيل " أن يكون جيداً، أفلا يعد هذا اعترافاً منك بما أنكرته من أنك تعتبر نفسك مقياساً للعقل الإنساني في الأرض المؤمنة بالله وكتابه وسنة نبيه؟