إلى الأستاذ الفهَّامة الدكتور طه حسبن
يسلم عليك المتنبي ويقول لك:
وكم من عائبِ قولاً صحيحاً. . . وآفتُه من الفهم السقيم!
ولقد رووا أن كيسان مستملي أبي عبيدة كان يكتب غير - ما يسمع، ويقرأ
غير ما يكتب، ويفهم غير ما يقرأ؛ وكنت أحسب الخبر موضوعاً يتملح به
للظرف والنكتة؛ أو معدولاً به عن وجهه إلى ناحية المبالغة، ولكني رأيت فيك دليلاً على أنه إن لم يكن صحيحاً فليس بعيداً، وإن لم يكن واقعاً فليس يمتنع، أكتب إليك فتفهم غير ما تقرأ، وأحدثك فتحسب غير ما تسمع، وأراك إذا انتقدت كلامي دارت بك الأرض حول نفسك فأخذتك الغشية ولم يبق في الألفاظ ولا في المعاني ولا في الأساليب ولا في الشعر ولا في النثر إلا صورة تمر بسرعة دوران الأرض فلا تتبين منها شيئاً ولا تفهم منها شيئاً!
هن ثلاثة أيها الفاضل؛ فإما طبيعة في النفس مبنية على المكابرة والمراء
لا تبالي معها أن تحذف العقل وتُسقط الخلُق وتمتهن الكرامة، وتقول هذا
الذهب حجر وهذا الحجر ذهب، وتمضي في تعليل ذلك وإقامة الدليل عليه
والدفع عنه، ثم اللجاج والسفسطة وإثبات المنفي ونفي الثابت كما يفعل كل
أهل الجدل في غير طائل ولا منفعة إلا غلبة ثرثرة على ثرثرة، وإما طبع في
الكتاب مستوخم بارد تجذب إليه أصول ضعيفة في الخيال والفكر، فلا يرتفع
ارتفاعاً سامياً وانما يُسِف ويخبط؛ وإما عقل لا كالعقول.
ونسأل الله السلامة.
فما من واحدة من هذه لك بُد!
قرأت يا سيدي ما كتبته عن "رسائل الأحزان " مما أتسمَّح في تسميته
نقداً، وألممتُ بالغاية التي أجريت إليها كلامك، وما كان يخفى علي أن في
الحق ما يسمى تعسفاً، وفى النقد ما يدعى تهجُّماً، وفى المنطق ما يعرف