بالمغالطة، وفي كل صناعة ما هو انتحال ودعوى وتلفيق؛ وإلا ففيم يخالف
بعض الناس على بعضهم، وكيف ترى الرجل الذي لا بأس بعقله يكون عليه
الدين مؤكداً بالايمان والوثائق حتى لا سبيل إلى إنكاره ثم ينكره ويحلف على
ذلك ويكابر فيه كان الذي حلف به عندما أخذ منك غيرُ الذي يحلف به عندما أنكر عليك، ثم يدبرك معه على كل أساليب الباطل ويمر بك في كل قضايا المغالطة، وإن في دمه ولحمه لو شُق عنه لأنطقه الله بأنه كاذب! ولعمري لقد كنت تكتب غير ما كتبت لولا أنك سمعت مني ما سمعته في تخطئتك والرد عليك حين قام الجدال بينك وبين الأستاذ هيكل؛ ورأيتك وقتئذ تكاد تبتلعك ثيابك، وكان كلامي منك كالماء يسقي شجرة الحنظل المر فما يزيد إلا مرارة.
ولو عقلتَ أيها الشيخ لعرفت أني أغضبتك عامداً متعمداً، وأفرطتُ عليك حتى اقتلعت نفسك من المجلس اقتلاعاً، وما أردت بذلك إلا أن أعرف مبلغ
إنصافك، وأمتحن هذه الحرية التي تدعيها في كل ما تكتب، فإنه ليس ينفعني
أن تثني على، وليس يضرني أن تجهد في ذمي، ولا أنا أحفل بشيء من ذلك، وما أحسبك تظنني ألتوي في يدك أو ألين لغمزاتك، فقد بلغ من إنصافك حين تغضب أن تنفس علي كلمة واحدة من اللغة فلا تذكرني بها، فقلت فيما علقت على كتاب الأستاذ هيكل "أنكرت عليه استعمال كلمة مهوب بالواو لا بالياء، ونبهني " بعض الأدباء" إلى أن هذا الاستعمال صحيح، فرجعت إلى المعاجم، فمن الذي نبهك وردَّك إلى المعاجم؟ ولماذا لم تذكر اسمه وحقدت عليه حتى في الصواب الذي تعترف به، وأنت قد اندرأتَ عليه طعناً في ثلاثة أنهر من الصحيفة التي تقول فيها هذا القول، أفيشق عليك أن تذكر لي حسنة واحدة في كلمة كنت لا تعرفها، ثم تسمِّي نفسك بعد ناقداً حرًّا منصفاً وتريد أن يقبل الناس منك ويستمعوا لك ولا يعرفوا الذهب ذهباً صحيحاً حتى ينظروا " دمغتك "
عليه، ولا الجوهر جوهراً كريماً حتى يسمعوا شهادتك فيه. . .؟
ثم أنزلت نفسك منزلة دون هذه وكنتُ والله أرفعك عنها، فقلت
"كنت أصف العقاد في فصل مضى بشدة الغموض أحياناً، وقد مضى الأستاذ الرافعي عن هذا الفصل وأنباني أنه لم يرض عن شيء مما كتبت كما رضي عن هذا الفصل" ولكن كيف أنبأتك هذا النبأ، بل متى تفهم دقائق الكلام وأغراضه وتكون حكيماً في سياسة المعاني وأساليب الفكر؟ لقد كتبت إليك وإنه لم يعجبني شيء مما قرأتُ لك ما أعجبني ما كتبته في هذا الأسبوع والذي قبله " أي انتقادك من انتقدت: فلاناً وفلاناً وفلاناً والعقاد جميعاً لا العقاد وحده كما