لا أريد أن أناقش أحداً ولا أن أسمي أشخاصاً ولا أن أحمل على باحث أديب
بتجهيل وإنما ألمح من خلال الكتابات التي يجود بها بعض أدباء، الوقت - منزعاً؛ وإن كان في حد ذاته محموداً فقد ينقلب في إساءة استعماله مذموماً ويصير ضلالاً.
ولع بعض الأدباء باتهام التاريخ الإسلامي الذي لدينا وسلوكِ طريقة في
التعليل لم يسلكها الأولون، ارتياداً لوجوه جديدة وأسباب للحوادث لم تكن
معروفة، بحيث يقال: إنهم كشفوا حقائق تاريخية لم يعرفها غيرهم أو عرفوا
أسراراً أعماها التاريخ الديني أو عمتها السياسة وأهواؤها على الجمهور.
ويسمون ذلك تمحيصاً وتحقيقاً، ويظنون أن التمحيص والتحقيق هما مجرد
المخالفة والخروج عما عليه الرأي العام.
والحقيقة أنه إن كان مقصدهم مجرد المخالفة وتغيير الأسلوب لعدم الصبر على طعام واحد فقد أصابوا الغرض.
ولكن إن كانوا يزعمون أن هذه التعليلات الغريبة هي الأصل في تلك الوقائع
فليسمحوا لنا أن نستعفيهم من التصديق لأننا نعرف التاريخ بالأدلة العقلية
والنقلية وملاحظة ما سبق وما لحق واستنباط النتائج من المقدمات، ولا نعرفه
تخرصات وافتراضات وأبنية على غير أساس، فإن كان هذا هو التمحيص
التاريخي الذي يتوخى بعض العصريين أن يقلد به الإفرنج فلا كان هذا
التمحيص الذي هو عبارة عن قلب الحقائق لأجل الإتيان بالبدع، ويجهل علماء الإفرنج عن أن يكون تمحيصهم من هذا النمط، وقد خلط منهم من خلط في معرض التمحيص ولكن نبه المدققون منهم على أنهم خلطوا.
فعندما يقوم واحد فيذهب إلى أن تاريخ حرب اليمامة محاط بالغموض.
وأن مقاتلة أبي بكر لأهل الردَّة لم تكن من أجل إقامة الدين بل من أجل تأسيس