وغيرها، مما هو صريح في مسائل الملامسة والغزل.

وما ورد في المساحقة وغيرها من مسائل الاختلاط الشهواني والتعبير عن وسائل هذا بألفاظ هي غاية في الصراحة، وبالأخص في خروجها على آداب الدين ومبادئه وهي مع ذلك لم يمتنع تناولها ولا أمكن توقيف تيار تسربها من قائليها إلينا مع طول الفترة التي تفصل بيننا وبينهم.

وسواء قلنا بأن هذه الأشعار وصلت إلينا بسبب تسامح المسلمين أو بسبب

استحالة عملية الوأد والمحو، فالنتيجة المنطقية لذلك واحدة، وهي أنه لا يمكن التسليم بحال من الأحوال بما أراد حضرته أن يصلَ إليه وهو أن جميع الشعر المنسوب إلى شعراء الملل غير الإسلامية في الجاهلية على الأخص هو شعر مدخول عليهم مدسوس بحكم التعصب ونعرة الانتصار لأهل الملة.

هذا وإن مجرد القول بعدم وجود شعر لأهل الملل غير الإسلامية من

شعراء الجاهلية وعصور الخلفاء الراشدين ودولتي بني أمية وبني العباس هو قول يناقضه الواقع، ويكفينا ما حكاه الأستاذ الفاضل في محاضرته بأن هناك مجموعة كبيرة اسمها: شعراء النصرانية، وأن هناك طائفة أخرى منسوبة إلى شعراء أهل الملل والديانات الأخرى، إذ الأصل في الناس إذا ما رووا أن يحكموا الصدق، ولا يصح نسبة الكذب إليهم لغير علة ظاهرة.

وكل رواية لا تناقض العقل ولا تتنافى مع المشهور عن أخلاق من نسبت إليه والمتعارف من عاداته وطباعه ووسطه الذي نشأ فيه وببيئته التي تربى في أحضانها، لا يمكن ولا يصح أن يسلَّم بالشك فيها، كما أنه لا يتفق مع كرامة العلم واعتلاء عرش الأستاذية أن يتبرع الأستاذ بسرد التهم جزافاً إلى طوائف وجماعات بغير حجة قائمة عليهم تبعث اليقين إلى كل من عرضت عليه من أهل الحصانة، ومن باب أولى إن الأمانة تقضي بالتريث في الحكم بالإدانة في أية تهمة لأن من ألزم اللزوميات لمبادئ العلم رجوعها إلى قضايا يقينية وإلا فقدت قيمتها، لأن ما يرتكن على

قضايا تخمينية أو تصورية إنما يرتكن على أساس لا هو بالمأمون ولا هو محل

للثقة والاعتبار.

وإذا كانت هذه هي المبادئ الأولية المسلَّم بها في كل بحث علمي

الواجب اتباعها عند الحكم على أية مسألة من المسائل، فإن اتهام العرب من

المسلمين أو حكام دولهم بأنهم محوا الشعر المشتمل على مبادئ لأهل الوثنية

واليهودية والنصرانية تختلف عن مبادئ الدين الإسلامي - هو قول لا يرتكن

إلى شيء من الحقيقة اليقينية، وكان أيضاً القول بتلفيق كل الموجود من شعر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015