ميل إلى الغريب والمهجور ويتعمد التعقيد في العبارة أو يميل إلى الابتذال.

وأنه لم يكن ثم من بينهم المتعصب إلى القديم والثائر عليهم المتعشق لكل

جديد؟ -

وهل يحسن بالأستاذ أن يبين لنا ما طباع كل شاعر ممن نسب إليهم هذا

الشعو كالأعشى وزهير وعبيد بن الأبرص وغيرهم من أصحاب المعلقات

وشعراء الجاهلية؟

وهل له أن يتنبأ لنا عما قام بنفسه وما كان يتملكه من الإحساس طول

حياته، في غضبه وحلمه، وزهده وتفاخره، وسرائه وضرائه، وما تكيفت به نفسيته في حله وترحاله، وصحته ومرضه وجِده ومجونه، وعبثه ولهوه، وفرحه وحزنه، وعبادته وعمله، وشبابه وهرمه؟

وأن يبين لنا وجه استحالة أن يصدر منه ما نسب إليه من الشعر؟

أظن - وليعذرني الأستاذ في ذلك - أن الوصول إلى شيء من هذا الذي بيناه ليس هو الشيء الهين إن لم يكن من المستحيل، وبعبارة أخرى أنه يستحيل الجزم بحال من الأحوال بأنه لم يصدر من واحد من هؤلاء أي شعر مما هو منسوب إليه الآن.

وإذا كان الأمر كذلك كان من المستحيل أن يقرر بطريقة علمية وعلى وجه

الجزم واليقين بعدم تسرب شعر أهل هاته الديانات إلينا، وأن الموجود منه بين

أيدينا متقول على أصحابه.

وهناك دليل آخر نسوقه إلى حضرته، وهو أن ديناً يحث على نشر العلم

ويزهو نبيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "أنا مدينة العلم"

يستحيل عقلاً أن يعمل على دثر آثار شعراء

هاته الديانات لمجرد مخالفة مبادئهم لمبادئه، فقد جاء في الكتاب العزيز

(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) .

كما دلت الآثار على أن المسلمين كانوا على فهم تام لهذا

المبدأ، إذ بينما يحرم دينهم الخمر ويلعن رسولهم شاربها وحاملها وساقيها

تراهم قد وسِعَت صدورهم ما ضمنه الشعراء عنها في أشعارهم، بل زاد بهم

التسامح حتى أن زعيم المتصوفة والكثير منهم أتوا بخمريات في أشعارهم، في

حين أن هؤلاء من لا مطعن عليه في دينه ولا مطعن في أخذه بمبدأ تحليل

الخمر!

والأبلغ من ذلك تلك القصائد الكبيرة التي تضمنتها مجموعاتُ الأدب

الكبرى والطبقات الوافية من كتبه المعتبرة، كالأغاني والأمالى والعقد الفريد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015