الجامعة على نوعين من الآداب الأجنبية.
فإما أن تكون هذه أحق من ذلك بالتقديم وأقرب إلى فائدة الأمة منه، أو هم يمتهدون اليوم لحاجتهم فينشئون لنا في أوروبا أديْباً ويخرجون بعلوم الأعاجم عربياً صليباً، أو لا هذا ولا ذاك ولكنهم يمضون على غير هدى كما تخيل النفس ما دامت هذه الأمة قد بذلت وتابعت على ما يريدون.
فإن كان الأول فهو الرأي الفائل والسوءة التي لا يسترها إحسانهم بأجمعه
إذ لا يكون ذلك في أمة لا يزال يغلط كبار كتابها غلطاً قبيحاً فيما يستعملون من لغتهم، لا يرون ذلك هُجنة ولا نقصاً؛ حتى أصبحت اللغة في الأيدي كالثياب المتداعية: كلما حِيصت من جانب تهتكت من آخر.
وانظر كيف يتسمى الكتاب المسترسلون في الجرائد "بالمحررين"، وأنت
إذا سألت عن سواد الكتاب في الأمة قيل هم أولئك ولكنهم مع ذلك لا يعلمون أنها مذمَّة لهم، فإن المحرر فيما سبق به الاصطلاح هو كاتب الخط لا غير
"الخطاط" لأنه يحرر الأصول ويضبط الأحرف ويراعي اعتدال النسب بين ما
يعزله من البياض في القرطاس أو الكاغَد عن يمين الكتاب وشماله، وأعلاه
وأسفله، وتباعُدِ ما بين السطور، وسعة الفصول وضيقها ومرجع ذلك جميعه
إلى مُفاد لفظة "التحرير".
ولا أخوض في تفصيل الرأي الثالث وبسطه فإني أنزه رجال الجامعة عن
هذه الشبهات، إما أن يكونوا منتظرين أن يُنشئوا في أوروبا من يدرس الأدب العربي أو يستعين بما يدرسه عليه، فذلك ما نرمي إليه بهذه الكلمات وإن علينا بيانه:
لا أعلم ماذا يراد بقولهم: "آداب اللغة العربية" إلا أن يكون ذلك إحاطةَ
الأديب بفُصَح اللغة وتمكنه من استعمالها في تنزيل الكلام، ومعرفة الإعراب
والأبنية والتصاريف، وبُعد النظر في معاني البلاغة وأساليب الفصاحة والاقتدارَ عليهما نظماً ونثراً، ثم معرفة الرجال ومراتبهم وطبقات كلامهم وآثارهم واختلافِ العصور بهم، مع البصر بالنقد ومواضع المؤأخذة إلى الطبع السمح