هذا مذهبٌ من الكلام في اللغة، كثيراً ما يشتبه فيه اليقين حتى لا يُنفذ
إلى تمحيصه، ويلتوي الظن حتى لا يُطاق على تخليصه، وأنت كيف مددتَ
عينيك في هذا الجيل فلست آمناً أن تقع من صغار نَشئه الذين يطمحون إلى
مشيخة الكتاب. . . على كل ضيق المَجمّ، ضئيل الهم، ألف اللسان
ملتف البيان، كالجبَل عند نفسه ويوضع في بندقة. . . وكالبحر ويصب في
فستقَة، وهو مع ذلك يسمع بالفصاحة والفصحاء، ويستطيل في البلاغة
والبلغاء، ويبسط في هذا الرهان من جلده على هُزاله، ويُفسح في هذا الميدان من خطوه على كلالِه، ومهما أخطأ فيما يُعَمى عليك من حقيقة أمره، ويكاتم مهب ريحك من دخانه وجمره، فلا يخطئك أن تستبين منه رأياً كأنه في رأسه نزوة أَلم، وعقلاً مدنفاً لو هو مات لما قطرت له دمعةٌ من قلم.
ومن آفة الجهل أنه على استواء واحد في نظر أهله على ما يتحزون
بزعمهم من النصفة والمعدَلة: فلو تدسَّس أحدهم إلى كل مكروه وأصعد في
كل بلاء، لكان ذلك بعضه كبعضه سواء في بادئ الرأي وعند تقليب النظر، لا يدرك فروْ ما بين درجاته، ولا فصل ما بين صفاته، حتى إذا ضرب كل سبب في غايته، واتصل كل مبداً بنهايته، ووقعت الواقعة بركن أمة كان قائماً، وتعثرت المصيبة بشعب كان متقدّماً.
عرف ذلك الجاهل من مقدار الرزيئة مقدار جهله، وعلم حينئذ أنه كان يملك من الكف عن هذا البلاء مثل الذي ملك من
التسبب له وأشف من ذلك، ولكن بعد أن يكون السهم قد مرق والأمر قد