فهل يستطيع شيخ الجامعة أن يأتينا بدليل أو شبهِ دليل على أن القبائل في
العصر الجاهلي أو بعد الإسلام كانت تكتب وتدرس في باديتها باللغة الأدبية
التي يزعمها، حتى نصدق أنه كانت لكل قبيلة لغتان كما لنا في مصر.
والعجيب أن يخلط الشيخ هذا الخلط وهو قد قرأ الجزء الأول من "تاريخ
آداب العرب" وذكره في كتابه؛ فكيف ذهب عنه أن الرواة لم يكونوا يعبأُون
بالعربي الذي ينطق بلحن غير لحن قومه ولا يعدونه حجة في اللغة، وأن العربي القح السليم الفطرة لم يكن يستطيع أن يقيم لسانه إلا بلحن واحد ولهجة واحدة، حتى أن سيبويه لما اختلف مع الكسائي في مسألة "ظننت أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي أو فإذا هو إياها! وجاؤوا بالأعراب الذين كانوا بباب يحيى البرمكي ورشوهم على أن يوافقوا الكسائي في جواز اللغتين -
لم يزيدوا على أن قالوا في الموافقة: إن القول ما قال الكسائي.
فلما رأى سيبويه ذلك منهم قال يحيى: مُرْهُم أن ينطقوا فإن ألسنتهم لا تطوعُ به! . . .
ولا بأس هنا أن ننقل هذه العبارة من الجزء الأول من "تاريخ آداب
العرب" في صفحة 348:
"ومهما جهدت بالأعرابي أن ينطق بغير لحن قومه وإن كان أفصح منه فإنه
لا يستطيع من ضعف، لأن تقليده في الصواب كتقليده في الخطأ، واللغة إنما
تؤخذ عن السليقة وهي سنة واحدة؛ قال الأصمعي: جاء عيسى بن عمر الثقفي ونحن عند أبي عمرو بن العلاء فقال: يا أبا عمرو ما شيء بلغني عنك تجيزه؟
قال: وما هو؟ قال: بلغني أنك تجيز: ليس الطيبُ الا المسكُ.
قال أبو عمرو:
نمتَ وأدلج الناس! ليس في الأرض حجازي إلا وهو ينصب.
ولا في الأرض تميمي إلا وهو يرفع؛ ثم قال: قم يا يحيى - يعني اليزيدي - وأنت يا خلف - يعني خلف الأحمر - فاذهبا إلى أبي المهدي "أعرابي الحجاز" فلقناه الرفع فإنه لا يرفع، واذهبا إلى أبي المنتجع "أعرابي تميم" فلقناه النصب فإنه لا ينسب.
قال: فذهبنا فأتينا أبا المهدي فإذا هو يصلي، فلما قضى صلاته التفت إلينا
وقال: ما خطبكما؟ قلنا: جئنا نسألك عن شيء من كلام العرب
قال: هاتيا.
فقلنا: كيف تقول: ليس الطيب إلا المسكُ - بالرفع - فقال: تأمرني بالكذب على كبر سني! فقال له خلف: ليس الشراب إلا العسلُ - بالرفع - قال اليزيدي: فلما رأيت ذلك منه قلت: ليس ملاك الأمر إلا طاعةُ الله والعمل بها - بالرفع -