فقال: هذا كلام لا دَخَلَ فيه. ثم أعادها بالنصب، فرفعا ثانية، فقال: ليس هذا لحني ولا لحن قومي.

قالا: فكتبنا ما سمعنا منه، ثم أتينا أبا المنتجع فلقناه

النصب وجهدنا به فلم ينصب وأبى إلا الرفع ". انتهى.

وقد كان هذا منهم في أواخر القرن الثاني واللغة إلى ضعف واضطراب.

فأين تجد هذه اللغة الأدبية التي يهذي بها الشيخ، وانظر ما يبلغ الفرقُ بين قول إمام العربية أبي عمرو "ليس في الأرض حجازي إلا وهو ينصب وليس في

الأرض تميمي إلا وهو يرفع" وبين قول أبي مرغريت. . . "ولم يكن التميمي أو القيسي حين يقول الشعر في الإسلام يقوله بلغة قيس أو تميم ولهجتهما" فأيما أقرب إلى العلم والصدق: من كان في زمن العرب وحكى عنهم أم من يكون بينه وبين العرب جهله وحماقته وأربعة عشر قرناً في الموتى؟

ومما هو في هذا السبيل من كتاب طه، وهو أعجب مما تقدم، قوله في

صفحة 103: "والرواة أشد انخداعاً حين يتصل الأمر بالبادية اتصالاً شديداً، وذلك في هذه الأخبار. التي يسمونها أيام العرب أو أيام الناس فهم سمعوا بعض هذه الأخبار التي "بعضها فقط. . . " من الأعراب، ثم رأوها تُقَص مفصلة مطولة فقبلوا ما كان يروى منها على أنه جد من الأمر ورووه وفسروه وفسروا به الشعر واستخلصوا منه تاريخ العرب، مع أن الأمر فيه لا يتجاوز ما قدمناه، فليست هذه الأخبار إلا المظهر القصصي لهذه الحياة العربية - القديمة، ذكره العرب بعد

أن استقروا في الأمصار فزادوا فيه ونَمَّوه وزينوه بالشعر كما ذكر اليونان

قديمهم. . . فحربُ البسوس وحرب داحس والغبراء وحرب الفجار وهذه الأيام الكثيرة التي وضعت فيها الكتب ونُظم فيها الشعر ليست في حقيقة الأمر - إن استقامت نظريتنا - إلا توسيعاً وتنمية لأساطير وذكريات كان العرب يتحدثون بها بعد الإسلام" انتهى.

ولعلنا لم نر في كتاب طه كلمة تدل على العقل إلا قوله في هذه العبارة:

"إن استقامت نظريتنا" وتعليقه الرأي على هذا الشرط، وهو شرط بليغ، ثم هو بعيد عما يأخذ فيه الشيخ من مَعَاسف الرأي ومَعَاميه، وهو كذلك من أدب العلم: إذا لا حُكم إلا بيقين، فإن كان الشك ترك الحكم معلقاً، غير أن طه لم يتجاوز هذا العقل بعشرة أسطر حتى هاج به داؤه واعترته النوبة فإذا هو يقول: "وكل ما يروَى من أيام العرب وحروبها وخصوماتها وما يتصل بذلك من الشعر خليق أن يكون موضوعاً، والكثرة المطلقة منه موضوعة من غير شك"

فهذا رجل"معتوه يسخر - من نفسه كما ترى -

وكلامه إلى السماجة أقرب منه إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015