الإسلام: عدلوا في لغتهم الأدبية عن كل ما كانت تمتاز بهم لغتهم ولهجتهم
الخاصة، إلى لغة القرآن ولهجتها".
ثم ضرب مثلاً من موطنه الجديد. . . فرنسا، ثم قال: "وأنا أشعر
بالحاجة إلى أن أضرب مثلاً آخر قد يَدْهش له الذين يدرسون الأدب العربي
لأنهم لم يتعودوا مثله من الباحثين عن تاريخ الأدب، ذلك أن في لغتنا المصرية
المصرية لهجات مختلفة وأنحاءَ متباينة من أنحاء القول، فلأهل مصر العليا
لهجاتهم، ولأهل مصر الوسطى لهجاتهم، ولأهل القاهرة لهجتهم، ولأهل
مصر السفلى لهجاتهم، وهناك اتفاق مطرد بين هذه اللهجات وبين ما للمصريين من شعر في لغتهم العامة، فأهل مصر العليا يصطنعون أوزاناً لا يصطنعها أهل القاهرة ولا أهل الدلتا، وهؤلاء يصطنعون أوزاناً لا يصطنعها أهل مصر العليا.
وهذا ملائم لطبيعة الأشياء؛ فما كان للشعر أن يخرج عما ألف أصحابه من لغة ولهجة في الكلام، ومع هذا كله فنحن حين ننظم الشعر الأدبي أو نكتب النثر الأدبي والعلمي نعدل عن لغتنا ولهجتنا الإقليمية إلى هذه اللغة واللهجة التي عدل إليها العرب بعد الإسلام، وهي لغة قريش ولهجة قريش " انتهى خلط الشيخ.
وقد أثبت في كلامه أن لغة القرآن الكريم هي "اللغة الأدبية" التي كان
ينتحلها العرب في العصر الجاهلي، فإذا كان ذلك وكان في العصر الجاهلي لغة أدبية للعرب فكيف ينكر طه على الشعر الجاهلي أن يكون متفق اللهجة، وكيف يجزم أن عدم اختلاف اللهجات فيه دليل على أنه موضوع مكذوب كما مر بك في موضعه، وكيف يتناقض هذه المناقضة المكشوفة.
على أن هذه "اللغة الأدبية " وهم سخيف من أوهام المستشرقين تبعهم فيه
طه لأنه رجل مقلد سروق؛ فإن اللغة الأدبية لا تنشأ ولن تستقيم إلا إذا كانت مكتوبة مدونة متدارسة، إذ الكتابة قيد من التغيير والتبديل وهي نص في عموم الاحتذاء والمحاكاة، لأنها في مكان ما هي في كل مكانٍ غيره.
ولو لم تكن في مصر لغة واحدة مكتوبة متدارسة هي العربية الفصحى لما
كان لها شعر أدبي ولا نثر أدبي، ومن ههنا يريد الذين في قلوبهم أمل من
المستعمرين، والذين في قلوبهم مرض من المجددين، أن يجعلوا العامية لغة
الكتابة والدرس، لأنها متى دُونت وتدارسها النشء محت الفصحى محواً وأتت
على كتبها وآدابها ودينها؛ وقد كتبنا في هذا فلا نطيل به..