ويتخذ كل منا ضعفه أو هواه مقياساً يحد به علم اللغة في أصله وفرعه، فما
عسى أن تكون لغتنا هذه بعدُ وما عسى أن يبقى منها وأين تكون نهايتها؛ ثم أي علم من العلوم يصلح على مثل هذا أو يستقيم عليه؛ وفيم تكون المجاذبة
والمدافعة، وبم يقوم المِراء والجدل إذا اتفقنا على أن بعض الجهل لا يمكن أن
يكون قاعدة في بعض العلم؟
إن هذه العربية بنيت على أصل سحري يجعل شبابها خالداً عليها فلا تهرم
ولا تموت، لأنها أعدت من الأزل فَلكاً دائِراً للنيِّرين الأرضيين العظيمين. كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن ثم كانت فيها قوة عجيبة من الاستهواء كأنها أخذة السحر، لا يملك معها البليغ أن يأخذ أو يدع.
وأنا أتحدى كل أصحابنا الذين أشرت إليهم أن يأتوني بكاتب واحد تنقّل
في منازل البلاغة وأطلق أساليب الكتابة العالية، ثم نزل عنها إلى الركاكة أو
المذهب الجديد أو ما شئت من الأسماء ولزمها مذهباً وجعلها طريقة؛ وهذا
التاريخ بين أيديهم، وبعضهم بين أيدي بعض؛ فليأتوني بمثل واحد أسلِّم لهم
كل ما في يدي من الأدلة على سخفهم وأجعل واحدهم هذا بألف من عندي!
فأما أن لا تدري يا أبا خالد وتزعم العفة، وأن تعجز ثم تجنح إلى الرأي.
وأن تضعف ثم تتمدح بالسلامة؛ فهذه أساليب ابتدعها مَن قبلك من أذكياء
الثعالب. . . وزعموا أنه اقتصر على القول بأن العنقود حامض وأراه ما اقتصر على ذلك إلا لأن زمنه كان أحسن من زمننا وأسلم وأقرب إلى الصدق. . .
فلو هو كان من ثعالبنا. . . لزعم أنه ابتاع زجاجة من الخل وصبها بيده في حبات العنقود الحلو وبذا صار إلى الحموضة ولهذا تركه!
وكيف تريد ممن عجز عن الفصيح أن يثني عليه، وهو لو أثنى عليه
لطولب به، ولو طولب به لبان عجزه وتصوره، ولو ظهر الناس منه على العجز والقصور لما عدُّوه في شيء ولذهب عندهم قليل ما لا يحسنه بالكثير الذي يحسنه؟
لقد سألت بعضهم: ما هو هذا الجديد الذي تحامون عنه؟
قال: هو ما يكتب به في الصحف.
قلت: فإن فيما يكتب الضعيفَ والساقط والمرذول، ثم