قال: فإذا كُرة صبي ملقاة في ركن من الدار، فقالت طاحين: ههنا ههنا.
فهذه هي أرضنا الجديدة!
فلم يكن غير بعيد حتى غشينها من جميع جوانبها فإذا هي في رأي العين
كأنها مكتوبة بالخير. واستوت طاحين على حَدَبة الكرة تفكر فيما تجدد لهن من واضح وخفي وظاهر ومُخيل، وما لبث الصبي أن عاد من المدرسة وفي جلده لذعات الضرب لأنه لم يحسن كتابة درسه، فأهوى إلى الكرة بيده ثم نظر فإذا هي سطور فوق سطور، فقال: لعن الله الكتابة أدعها في المدرسة فتمشي حروفها إلى الدار ثم رَكضَ الكرة بقدمه ركضة شديدة أتت على نصف النمل وطحنت أسفله بأعلاه، فتهارب الباقيات يسعين إلى نجائهن في كل وجه ومَهرب، وهو يقتفيهن بحذائه ويدوسهن حيث عرضن، فلم ينج منهن إلا قليل ذهبن متضعضعات إلى القرية، فتلقتهن النملة العاقلة وقالت: ما أمر جاء بكن من العالم الجديد؟
فتكلمت نملة وقالت: لعن الله الجديد ومجدده وآخذه ومعطيه، إن كان
والله إلا حذاء صبي خبيث ودوساً دوساً وحطماً حطماً، فمن لم تهلك فلن تنسى أبداً أنها من الهلاك رجعت!
ولقد مَحصنا الامتحانُ والابتلاء فما كان لنا من جديد مع طاحين
المشؤومة إلا أن اشترينا حياة بعضنا بهلاك البقية، ولا جديد في عقل المجنون
إلا جنون العاقل.
* * *
وبعد فسنفرغ لما كنا فيه من نقد كتاب طه حسين، فقد أبلغنا الحجة على
الجامعة حتى انقطعت ولبسها الخزي بإطراقه وذلته، وما كانت أمثال "كليلة
ودمنة" إلا من أجلها وعلى تفصيلها؛ فسندع تلك الأمثال لنتم القول في ذلك الكتاب.
وما ندعي أننا نتعقب جميع مسائله وفصوله وإنما نختار منه اختياراً، إذ
الغرض أن نومئ إلى أصول الخطأ وندل على سقوط الكتاب وبلادة مؤلفه.
وأنه لا جديد عند هذه الفئة إلا الوقاحة في العلم.
ولو أن طه يقبل منا أو تقبل الجامعة أو تقبل وزارة المعارف لجعلنا لمن يقبل أن يختار أَربع صفحات من هذا الكتاب تكون متتابعة متصلة وليخترها كيف شاء، فإن عجزنا عن إخراج غلط الصفحات الأربع فالكتاب كله صواب، وإن فعلنا فالكتاب ساقط