أنه يبتاع بذهبه كل ما أحب، على أنه لا يحب إلا عَظمة لقدمه المكسورة.
وهيهات أن تبيعه الحياة عظمة بكل ذهب الأرض؟
قال كليلة: وطال الخلاف بين النمل، فإذا "طاحين" مقبلة تسعى.
فقالت: ما كنتن فيه بعدي؟ فذكرن لها ما تراجعن فيه القول وما كان الجدال عليه، قالت: ألا دَعْن مثل هذا النمل الدين وإنما نحن نمل الدنيا. وقد كشفتُ لكن عن عالم جديد كان مجهولاً، وسآخذكن إليه فنغمره ونملكه، فاتركن هذا القديم وما كنا نتعايش عليه، وهلممْنَ إلى العالم الجديد وافعلن ما آمركن به.
فقالت العاقلة: ما أنا بذاهبة، وما يكون الجديد جديداً باسمه ولكن
بمنفعته، ولا منفعة إلا عن يقين، ولا يقين إلا بعد تجربة، ولا تجربة إلا في
ملاءمة ومصلحة، فإذا أنكر طبعي أنكرت، وقد قالت العلماء: إن ثلاثاً لا
تصلح مع ثلاث: الحياةُ مع المرض، واليقين مع الشك، والطبع مع التقليد.
فأنا آخذة بظاهر العمل والحيطة، وتاركة لكن باطنَ العلم والفلسفة وسترين
وأرى.
قالت الكبيرة من النمل: إنما أنت من أنصار القديم ولن تفلحي أبداً.
ونحن ذاهبات على حبك وكرهك، وإنما الدنيا ما يأتي لا ما يمضي، وما يولد
لا ما يدفن، وستريننا في عالمنا الجديد أولات أجنحة مَثنى وثُلاثَ ورباع!
ثم إنها نظرت لطاحين وقالت: أما قلتِ آنفاً إن هواء ذلك الإقليم ينبت
الأجنحهَ!
قالت: بلى، وإن هي لم تنبت فقد نظرت في هذا، وسنصنع كما صنع
الإنسان حين لم يطر فاتخذ الطيارات، وامتنعت عليه قدرة سُخرت له قدرة
تكافئها، فكان من هذا تعديل لهذه، وسنحتال لبعوضة فنأسرها ونذللها تذليلة الآلة في العمل، فتطير بنا مرة وتقع مرة، حتى إذا رُضناها وانقادت لنا وسوينا بين طباعها وطباعنا وأصبحت تطير وتنزل عن أمرنا وتطبعت على الطيران، ولدَت لنا من بعدُ طيارات كثيرة. . .!
قال: ثم إنهن تزاحمن صفوفاً مرصوصة ومضين يتبعن "طاحين" وهن
يتهامسن أنه ما من منزلة في العلم بعيدة أو قريبة إلا ولهذه الفيلسوفة خطوة هي بالغتُها. . . قال: وينتهين إلى العالم الجديد فإذا. . .
وسكت كليلة.
قال دمنة: ويحك فإذا ماذا؟