هذا فساداً في أصل النظام وعكساً للنواميس، وكنا فيه كالذي ينقض من ركن في بيته ليرمَّ صَدعاً في ركن آخر منه، كأنَّ كل ركن مستقل بنفسه مع أنها أربعة في خراب أحدها خراب جميعها، لأنها لا تراد لنفسها بل لما يَحمِلُ عليها؛ ومرض الخراب لا يُعدي بيتاً من بيت ولكنه يُعدي ركناً من ركن. ومتى اختلفت الجامعةَ المصرية والأمة المصرية واستحرَّ النزاع بينهما فما بقي في حكم العقل أنها جامعة كالجامعات، بل هي وحدة قانونية، كالأقلية في الأكثرية فإن لم تكن فوحدة سياسية في الأمة كالجيش المحتل، فإن لم تكن فوحدة علمية كالطبيب في المرضى، فإن لم تكن فوحدة عقلية كالعاقل في المجانين؛ وكل هذا سب للأمة في ظاهره وهو في الحقيقة سب للجامعة ومَهانة.
ولكن الأمة بخير. وفيها أهل الحزم وأهل الرأي وأهل العقل؛ فما قيمة
رجل أو رجلين أو بضعة رجال توظفهم الحكومة في الجامعة حتى يستبدوا
بالأمة هذا الاستبداد ويتخذوا الجامعة مرتعاً، ويبلغ من غرورهم أن يَسْخَروا من ألف عالم من علماء الدين ويزدروا كل أدباء البلاد ويُصروا على ما فعلوا
ويستكبروا استكبار إبليس ويهزأُوا بالأمة ويُلبِّسوا عليها ويزعموا لها المزاعم
العريضة كذباً وزوراً!
لقد نشرت جريدة "السياسة" أن هذه الجامعة التقية الصالحة اشترت كتاب
طه حسين وانتزعته من السوق فلا يباع ولا يُقرأ، وبهذا أسقطته إسقاطا
ذهبياً. . .
قالت "السياسة": وقد رضي صاحب الفضيلة شيخ الجامع الأزهر بهذا
الحل وسكت، فلم يبق من معنى لشكوى العلماء وذهابهم هنا وهنا (?)
و"السياسة" ترمي شيخ الأزهر بالضعف في رأيه وعلمه، لأن ذلك إن صح
فالشيخ يعلم أن طه لم يُستتَب ويُجدد إسلامه، وأن كتاب إيمانه. . . الذي
نشرته الجامعة إنما كان هزءاً بالأزهر ومن فيه، ورمياً لأهل هذا المعهد الجليل
بأنهم مستعبَدُون للحروف والكلمات لا ينفذون إلى أغراضها ودواعيها؛ وقد كتب في ذلك علامة الأزهر الشيخ يوسف الدجوي وسمَّى كتابَ طه حيلة بلهاء لا تجوز إلا على أبله!
وهل يجوز في رأي شيخ الأزهر أن تنفق الجامعة على تعليم الكفر من
أوقاف المسلمين، ثم تعود فتنفق من هذه الأموال على شراء الكفر من صاحبه.