وما هذا الشراء وما جدواه؟ ألم تعلم الأمة كلها بما في الكتاب بعد أن نشرناه
ونشره العلماء أنفسهم في قرارهم الذي حكموا فيه؛ إنما خسرت الأمة مرتين
ليربح طه مرتين، وأخذ الكتاب من السوق وبقي المؤلف في الجامعة؛ وما
أهون السرقة مرتين على من يسرق مرة ما دام لصاً بطباعه وأخلاقه!
ولكن أليس في شراء الجامعةِ الكتابَ ودفعِ ثمنه ما يومئ إلى اتجاه الإبرة
المغناطيسية في هذه الجامعة، وأنها إلى الجهة الشخصية المحضة، ألا فنبئوني
ما فائدة العدل فيما يسمى القانون إذا نحن لم نأمن الميل الشخصي فيمن يسمى القاضي.
وإذا جعلنا شراء الكتاب قياساً فقل لي أنت إن الدجاجة قد باضت ورقةَ
بنك أقُل لك أنا لا ريب أن في جوفها مطبعة. . . قل لي استقلال الجامعة أقل
لك إنه حماية بعض الأساتذة فيها. . . قل لي حرية التفكير أقل لك إنها حماية
فكرة أثيمة. هي كما ترى أرجوحة منطقية لها صندوقان، فلن تقول إن أحدهما قد علا إلا لقنتني الجواب بأن الآخر قد سفل. . .
لسنا من أمر هذه الجامعة في صندوقين، ولا شخصين؛ إنما نحن في
عمل له ما بعده؛ وقد قلنا للجامعة غير مرة إن علم الأدب الذي تخرجه سيكون علم الأدب في الشرق العربي كله؛ فلم تفهم، فلما أفسدته أفسدناه علمها، ولو لم نفعل لكنا مجرمين آثمين؛ وتالله لهدمُ الجامعة أخف ضررا من هدم التاريخ، لأنها إن تُغلق اليوم تفتح غدا، ولكن التاريخ لو هُدم فمن الذي يبني "هرم كيوبس" غير كيوبس؟