الناس وفزعوا، وكان لهم دارُ ندوة، وكان فيها زعيم يغمُرُ الناسَ جميعاً بذكائه، وكأنما أنشأ فيه القدر من أسباب القوة على قدر حاجة الأمة كلها، فما تراه في لسانه وبيانه وذكائه وقلبه وهمته وعمله إلا قلتَ مِن ههنا ينبعث التيار الإنساني ليعبَّ به البحر كله في هذه الأمة!

قال: وجمع الفيلسوف أقفاله ووضع عليها كلها قفلاً من معدن لا تذيبه

النار، اسمه "استقلال المدرسة" وبعث بها إلى دار الندوة ليُقفل بها على أفواه

الناس وعقولهم، فما هو إلا أن رماها ذلك الزعيم بنظراته وأدارها في يده حتى جعلت تتهاوى وتتفلَّق، وإذا هي تنماث كما ينماث الملح ألقي في الماء، وكان كل قفل لا يسقط إلا فتحَ عن سوءة أو غلطة أو مخزية من المخزيات، فقال الفيلسوف: إنا لله ما يصنع العناد إلا صنعة واحدة أولها الحيلة وآخرها الخيبة، ولقد كنت عن هذا في غِنى لولا أن هيجني ذلك الأحمق وغلبني على الرأي بمثل ما يغلب به الطفلُ أباه المخدوع، فقد والله فضحني بنفسه، ثم عا

ففضحني بنفسي، وأسقطني بجهله مرة وبعلمي مرة! ولقد سخرت مني

الحوادث فهيات لي أن أكون ذا الأقفال حتى إذا صرت ذا الأقفال رمتني بذي

المفاتيح!

* * *

لا جَرَم أن الأستاذ الجليل لطفي السيد قد تحول كل منطقه خيالاً كالذي

يظن أن أصابع قدميه عشر شجرات، فلسنا نعرف له في حادثة الجامعة رأياً

صحيحاً ولا حجة قوية، وقد أصبح إذا تكلم أخطاً منطقه، وإذا سكت أخطأ سكوته، وما ذلك من ضعف لسان ولا فَيالة رأي ولا تهافُتِ منطق، ولكنه يدافع ما لا يُدفع، ويتولى رجلاً وَقدت عليه الجحيم ولعنه الله والملائكة والناس.

وماذا يُثلجُ لوحُ الثلج إذا لم يقع إلا بين ألوح الفحم المضطرمة.

كان للأستاذ لطفي السيد من عمله ورأيه وبُعدِ نظره ما يعصمه أن ينزل

نفسَه هذه المنزلة، وما هو بشاعر ولا أديب ولا صاحب لغة ولا مؤرخ أدب

فيعيبه أن يكون قد انخدع في طه حسين ويُزري به سقوط هذا الشيخ أو الخواجة ويَلزَمه من كل غلطة يقع فيها غلطتان إحداهما من أنه أديب والثانية من أنه مدير للجامعة.

إن الأستاذ رجل قانوني وكاتب فاضل ومصلح اجتماعي، فما له ولـ طه

وعلم طه؛ لكنه أبى أن يكون مديراً للجامعة في عمل ليس فيه إلا أن يكون

مديراً؛ ومن هنا رأينا العالم الكبير يحتج بأوهى الحجج، ويتوكأ على كلمات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015