يلعب به العامة في بعض أمور دنياه مما يتعامل عليه الناس كالبيع والشراء
وتعاطي أسباب العيش.
قال دمنة: ثم فاز المغرور وسهل له الفيلسوفُ تسهيلاً عجيباً، فإذا هو
أستاذ في تلك المدرسة، فلما استوى له المنصب قال: ما أحرى الناسَ جميعاً
أن يكونوا مغفلين إذا كان الفيلسوف صاحبي كما أرى، فلأصنع له من العلم
على نحو ما أدخلتُ عليه من الغش، فإنه لا يُحسن مما أقول شيئاً، وهو رقيق
الدين كما هو رقيق النفس، وما أراني معلناً عن نفسي بشيء كما يُعلن عني
الكفر، فيقتحمني الدين وتردُّ عني الفلسفة، فأجمع خلالاً ما اجتمعن لأحد
قبلي، وأكون كالراية يسقط الناس من حولها وهي قائمة.
ثم إنه انحط على العلم والأدب وسفَّه كل من لا يجهل جهله ولا ينعب
نعيبه، وكان كالغراب الذي زعم أنه شاعر كاتب فيلسوف، فلما سألوه في الشعر قال "غاق" فسألوه في الكتابة قال "غيق" فسألوه في الفلسفة قال
"غوق"! فقيل له: فلسنا معك إلا في غاق وغيق وغوق، فأين الشعر والكتابة والفلسفة؟
قال: قطع الله ألسنتكم أيها الناس، فلو أن الله بدَّلكم بها لسانَ غراب فصيح مثلي لوعيتم ما أقول، ولكنكم قوم تجهلون!
قال دمنة: فلما غوَّقَ أستاذ المدرسة ذلك التغويق المنكر وأضحك الناس
منه ومن مدرسته وعلوم مدرسته، وطارلت السخرية ووقعت، ثم طارت
ووقعت، قال ذلك الفيلسَوف: لقد احتجت الآن إلى عقلي وذكائي، فإن هذا الأحمق أنا انخدعت به ثم خدعت به الناس، فأنا من فضيحته الواحدة بين
فضيحتين، وهو مني بمنزلة الذيل من الجواد. إن سبقتُ سبق وما جرى ولا
تعب ولم يُعانِ شيئاً مما أعانيه وليس إلا أنه لَصِيق بي! ولقد أوقعني حُمقه في
هذه المَنزلة، فلن تحملني قدماي إلا إذا جعلت ساقيهما عمودين من حجر
واستمسكت في الأرض بجذور تجعل أصابع قدميَّ عشر شجرات.
ثم أقوم بعد ذلك قومة جبل راسخ لا قَعدة له إلا بشق الأرض من تحته
وأنا بعدُ ذو الأقفال. ما من كلمة تُفتح علي إلا ولها عندي قفل، فجهل هذا
الأحمق قُفله "حرية التفكير" إن فتحوا بذاك أقفلنا بهذا، وكفره نقفل عليه
"بحرية البحث " وغروره الشنيع ما له قُفل ولكن لعل قولنا إنهم يحسدونه يصلح قفلاً، وسقوط المدرسة نجعل له قفلاً من "سنة تجربة" وسوء النتيجة لا يغلقه عنا إلا قفل "التخبط في البداية"، وتدخل الحكومة لتلافي الأمر قفله "التفكير تحت وصاية الغير"
قال وجعل ذو الأقفال يضع لكل مُخزية قفلاً. . . فضج