وإن الأستاذ لذلك أخذ طه في الجامعة ورد سواه، ولبعض ذلك يدفع عنه كما يدافع ذو العقيدة عما اعتقد؛ فالأمر بين الأمة والجامعة فى هذا الخلاف الذي شجر بينهما أشبهُ بالمصادمة بين دينين لا بد من غلبة أحدهما، ثم إذا غلب عم؛ فالأمة على مرحلة إلى جاهلية أو إسلام؛ وما ثم شيء اسمه حرية التفكير أو استقلال الجامعة، إنما هذه ألفاظ سياسية جدلية توضع على مقاديرَ ظاهرة وعلى مقادير أخرى باطنة، ليكون الظاهر مما يلي القولَ، والباطنُ مما يلي العمل.
ولولا أن ذلك كذلك لكان في بعض غلطات طه حسين ما يَقذف به من
فوق الحائط عجلة منهم في إخراجه والتبرؤ منه، إذ ينقطع صبرهم قبل أن يُفتح له الباب؛ ولكن أنى لهم وطه في ذلك فكرة لا رجل، وقد عرف من قبلُ سرَّاء هذه العاقبة وضرَّاءها، وما ألقيت القنبلة من هذا المدفع وهي محشوة كفراً إلا لتهدم الإيمان القائم، ومثل طه حسين ليس من مدافع العيد. . . بل هو مدافع ميدان.
قال: وعندنا قوانين كثيرة، ولكن قانون الجامعة المصرية المعروض
على البرلمان وضع لكسر القوانين والتفلت منها!
عندنا قانون يسمونه قانون "المجلات المقلقة للراحة" ونحن الآن في
حاجة إلى قانون يسمونه قانون "المحال المقلقة للضمير" انتهى كلام الأستاذ.
وأنا لا أعتقد هذا ولا أقول به، وإن كعنت ألممح فيه لمحات، ولكن ترى ما سر هذا الصمت العجيب في مدير الجامعة فلا يجيب الأمة ولا يعتذر إليها ولا يعبأ بها ولا يعرف لها حقًّا، وبينا هي تتلظى عليه وعلى جامعته وعلى أستاذ جامعته نرى في يده مروحة وفي يدي طه مروحتين. . .
والعجب من هذا الأستاذ الفاضل كيف أصبحت الحوادث تنقله منزلة
إلى منزلة وهو يخف في يدها ولا يثقل به رأي ولا يرجح له عقل، وما يزال
يتنقل في هذه الحادثة من سيئ إلى أسوأ، وما زال يضيق على نفسه ولا يفسح
له ذكاؤه، فكان في غلطة صوابُها قريب والعذر منها سهل والقول فيها يسير، ولكنه أصر عليها؛ ومن نكد الدنيا أن الغلطات كالذباب: تكون الواحدة منها فإذا هي بعد قليل صارت ألفاً.
فما كان من إصرار مدير الجامعة إلا أن جعل للتهمة جذوراً وفروعاً وكانت نبتة لا تتماسك وأنا لا يبلغ من ذكائي أن أنفذ إلى
ذلك السر أو أكتنه حقيقته، فإني رجل بليد إذا تطرق بي الفكر إلى صلابة
كصلابة الأستاذ لطفي السيد من أجل حُمق كحمق طه حسين.
غير أن نسختي "من كليلة ودمنة" ليست بليدة، فقد رجعت إليها الساعة
فإذا الماكر دمنةُ يقول: ولا يغرنك أنك على ثقة من غفلة من حولك، فإنك إن