نحن نعرف أن الأستاذ الفاضل مدير الجامعة رجل صُلب مستغلق
كالأبواب الحصينة بعضها من وراء بعض، إن أنت عالجت باباً منها فانفتح لك بعد الكد والعناء وطول المزاولة تام من دونه باب آخر فاضطرك إلى مثل ما كنتَ فيه واستأنفتَ ما فرغت منه، فما تظفر من الرجل بطائل، لأنه فيلسوف منطيق أريب مطلع يرجع من طبعه الذكي إلى مثلٍ كتب الفلاسفة، ومن كتب الفلاسفة إلى مثل طبعه الذكي، فهو أبداً متحذر مستعد، ولا تبرح أقفاله الفلسفية على مد يده، فإذا هو وضع الباب من أبواب الكلام بينك وبينه تناول القفلَ والقفلين والثلاثة واستغلق وتَعسَّر، فهو في الرجال كالشاذ في القاعدة.
أما القاعدة فتستفيض فى كثير، وأما الشاذ فهو قاعدة نفسِه.
ولنا بالأستاذ صحبة قديمة، فما نعرف إلا أنه رجل منصف، ولا نظن فيه
إلا خيراً.
ولما أصدرنا الجزء الأول من "تاريخ آداب العرب " كتب عنه افتتاحية
"الجريدة" وقال لنا بلسانه إنه قضى أسبوعاً يخطب مجالس العاصمة في هذا
الكتاب؛ وكان عمله وقوله: (وسبب آخر) مما أغار تلميذه الفاضل الدكتور
هيكل فاستقبلنا يومئذ بمحبرته ونَضحَ الكتاب بمقالتين من العطر الأسود. . . لم نرد عليهما إلى اليوم، وهما في كتابه الأخير الذي سماه "أوقات الفراغ " فيحسن بالقراء أن ينظروا فيهما؛ لأنا نُعجب من الأذكياء بذكائهم ولا نبالي ما يصيبنا منهم؛ فإن الصدور تجيش والطباع تغلبنا وفي الناس ما فيهم، ونحن إذا أمِنا الخطأ من نفسنا لم يضرنا أن يخطئ الناس فينا؛ ولقد كلمنا يومئذ صديقُنا الأستاذ حفني بك ناصف في الرد على هاتين المقالتين، فقلنا له: متى تم بناء - الهيكل - ظهر الحائط المنحرف! وكان الهيكل لا يزال يُبنى!
نكتب هذا لأن أستاذاً كبيراً من مدرسي الأدب العربي زعم لنا أن فكرة طه
حسين التي يعمل لها في الجامعة هي فكرة الأستاذ مدير الجامعة، وأن طه ليس
في كبير ولا صغير وإنما هو كالبُوق يُنسب إليه الصوتُ والصوتُ من غيره.
قال: وإن طه يُدِل بمنزلته من الأستاذ فهو تلميذه وصاحبُ رأيه وحامل فكرته،