إذن إن هؤلاء الأذكياء يريدون تسخير النواب ليُكرِهوا الأمة إكراهاً على صدع أساسها الاجتماعي وتخريب بنائها التاريخي، وهذا عملهم، وليس في الأمر إذن حرية تفكير، بل حريةُ عمل، بل حرية هوس مكري، بل حرية استخدامِ سلطة الوظيفة!

لقد صاحت الأمة من حُمق طه حسين وتهوره، فماذا فعل مدير الجامعة

بل ماذا فعل طه غير أنه زاد على ذلك إنذارَ الأمة في أبنائها أن دروس السنة

الآتية سيكون في مناقشة القرآن من الوجهه الأدبية، ويقول هذا وهو هو الذي كذب القرآن من الوجهة التاريخية، فإن صرح بعدُ أو خادَعَ فما هو بمأمون ألبتة.

"استقلال الجامعة لأجل نظام التعليم العالي".

هذه عبارة يقولها الأستاذ المدير باللغة العربية القويمة، فإذا أنت أضفت

لها معنى الزمن الحادث كانت هكذا زرع الجامعةِ لقلع ما يمكن قلعه. . . ".

إن الباطل لا يجد أبداً قوته في طبيعته، بل تأتيه القوة من جهة أخرى

فتمسكه أن يزول، فإذا هي تراخت وقع وإذا زالت عنه اضمحل؛ أما الحق

فثابت بطبيعته قوي بنفسه، فالجامعة إنما تخشى على باطلها فتريد له قوة القانون وحمايته، ولو كانت ذات حق لقالت للناس: هذا عملي فانقضوه إن استطعتم، وهذا علمي فانقدوه إذا دخلكم منه شك! لكنها لجأت إلى هذا التمحل العجيب في طلب الاستقلال وحرية التفكير؛ وإنما هي بهذا الطلب تسبُّ الأمة وتهينها في علمها كما أهانتها في دينها من قبل، كأنَّ الأمة جاهلة غبية تعادي الفكر الحر إذ لا تستطيع مجادلته ولا نقضه، فالجامعة من أجل ذلك تسأل النواب أن يحموا تفكيرها ويفصلوا ما بين علمها العالي وبين جهل الأمة.

لقد جادلنا هذه الجامعة وأفحمناها حتى ما تبدئ ولا تعيد، فكأنها الآن

بما تطلب من حرية التفكير تريد أن تفز من كل مجادلة ومناظرة وتجعل ذلك

أصلاً في قانونها حتى لا ينتقدها أحد ولا يطمع أحد منها في جواب.

وما عرفنا في تواريخ الأمم أن أمة يقرر نوابها حرية الجهل في أكبر مدرسة فيها!

ما هي قيمة حرية التفكير وأنت لا تجدها على أعظم شأنها وأكبر أسبابها

وأوسع أشواطها إلا في المعتوهين والموسوسين وألفافهم؛

إنما الشأن في سمو التفكير قبل حريته؛ فينبغي أن يكون الفكر قوياً على

مصادمة النقد، إذ يكون صحيحاً لا زائفاً، وحقاً لا باطلاً؛ ومتى كان الفكر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015