كذلك فما هو في حاجة إلى قانون يحميه، لأن قانونه مناظرته، أما إن كان على غير هذا فجاء ضعيفاً متخاذل الحجة واهي الدليل لا يقدر على دفع الاعتراض.
ثم كان قائماً على أن يقول المفكر الباحث ما شاء ويقول المنتقدون ما شاؤوا
بلا نتيجة هنا ولا هنا، فلعمري إن هذه ليست حرية تفكير بل هي حرية الخطأ، والخطأ دائماً مقيد في أي الأساليب جاء ومن أي الناس وقع.
لقد حدت للفكر كل الشرائع قيوداً وحدوداً من بعضها الحجر ومن بعضها
العقوبة وهكذا؛ وفيم الشرطة والنيابة والمحاكم والقوامون والمحتسبون
والشرائع والقوانين، إلا أن تكون هذه كلها حدوداً للأفكار والأعمال، كما قلنا الخطأ من أن يجب أبداً أن لا يمشي إلا في قيد.
يظهر لنا أن الأستاذ مدير الجامعة لا يفهمنا حق الفهم، وإلا فنحن لا
نفهمه: إنه يقول حرية التفكير، ونقول قيمة التفكير؛ وهو يريد حرية الرأي، ونريد صحة الرأي؛ وهو يريد إطلاق الألسنة، ونحن لا نرى إلا إطلاق الحقائق المتكلمة؛ فإن صح رأيه وجب أن تطلق الحكومة كل من في مسششفى المجاذيب ممن خَرِف وأهتر ولا ضرر إلا من لسانه؛ إذ يجب أن يكون لهم قسطهم من حرية التفكير كما يكون للجامعة قسطها؛ وإن صح رأينا وجب أن يظلوا في قيود الطب، لأن لهذا الطب الولاية الشرعية على عقولهم وأفكارهم كما أن للبرلمان الولاية الشرعية على عقل الجامعة وتفكيرها.
هناك ضرب من التفكير هو شر على الناس من محق التفكير؛ فإن إهمال
الفكر وانقياد الإنسان إلى طباعه وغرائزه يبعث على غلطات مختلفة لا بد أن
تقع، لكنها تدل على نفسها بأنها غلطات، إذ ليس معها إلا حقائقها وهي ظاهرة مكشوفة قد تعارفها الناس وعلموا علم عقولها أنها خطأ.
أما ذاك النوع من سوء التفكير فيورط أهله في غلطات لا بد أن تكون.
فإذا كانت فلا بد أن تكابر في أنها غلطات وتذهب تخدع الناس وتُمَوه عليهم وتغر ضعافهم، لأن معهم الجدل والعناد وسوء النية ومكر السيئ، وكل هذا مما يكتم حقائقها ويُظهرها في غير مظاهرها ويُلبس باطلها من حلية الحق. وكتاب الجامعة - الشعر الجاهلي - آخرُ مثلِ أخرجته الدنيا من هذا النوع كما علمتَه مما أوردناه في الكسر عليه.
فإن كانت الجامعة إنما هذا تريد فهو تلبيس وغش وخداع وإن كان اسمه
الرأي والفكر والاجتهاد والجديد وما شاؤوا، وإذا أباحه البرلمان للجامعة وجب أن يُفرض عليها معه إنشاء درس تسميه درس الغلط. . . ليكسب هذا الدرس