المفردة، وحين تجيء تظرفاً وتماجنا وحين تخرج مخرج النادرة أو تبعث عليها

الفتوة وميعة الشباب في بعض الحب الشديد، كما فعل امرؤ القيس، فأما أن

يكون فيها أكثر شعره وعليها كل عمله ويتقلب الرجل وكأنه ليس في فمه إلا لسان امرأة فهذا ما لا أراه فناً، إلا أن يقال فن الرجل اللص وفن المرأة العاهرة كما يقال فن الشاعر وفن المصور مثلاً!

وقد نصوا على أن امرأ القيس هو الذي افتتح تلك المعاني التي أومأنا

إليها وأن الشعراء اتبعوه، فأين النص أن ابن أبي ربيعة افتتح هذه الطريقة - مِن: قلت لها وقالت لي، وكنت وكانت، وفعلت وفعلت؟

ومن الذي اتبعه في هذا الباب وأنفذ فيه أكثر شعره ولو أنهم كانوا يرونه مبتدعاً لنصوا على ذلك كما نصوا على غيره. بل كان جرير يرى تلك الطريقة هذياناً، حتى استحكمت

معاني ابن أبي ربيعة فرآه حينئذ قال الشعر.

وإن هناك أصلاً مقرراً في الأدب العربي، وذلك أن فحول الشعراء

يسبقون إلى ابتداع المعاني والأساليب فيتبعهم فيها من بعدهم، إذ لا يقول أحد شعراً ولا يكون شاعراً إلا عن رواية وحفظ.

فقد يتفق المعنى لشاعر متقدم أو تستوي له الطريقة في بعض الأساليب فيأتي بعده من يجد ذلك في طبعه ويكون قد اعتاد منه في أسباب عيشه ودهره ما لا يجري به اعتبارُ شاعر آخر، فيحتذي

على حذو الأول ويتخذ كلامه أصلاً يبني عليه فيكثر من ذلك ويقلبه على

وجوهه حتى يميته ولا يدع فيه شيئاً لغيره، وليس ابن أبي ربيعة بدعا في ذلك، فإن أبا نواس احتذى على الأعشى في الخمر ولكنه أكثر فيها حتى عُرفت به هذه الطريقة وحتى لم يكن يُرى لغيره فيها معنى وهو حي، وهذا البحتري رأى بعض شعراء المتقدمين يذكر طيف الحبيب وزيارته، وقد قالوا إن أول من سبق إلى هذا المعنى " جران العود" في قوله:

سقياً لزوركِ من زَور أتاكِ بِه. . . حديث نفسِك عنه وهو مشغول

ثم أخذه العباس بن الأحنف وأخذه أبو تمام، فجاء البحتري فتعلق عليه

وأكثر منه وجعل وصف الخيال طريقة من طرائقه فعرف بها.

وكيف وضع فن البديع لو لم يكن مسلم بن الوليد قد جرى على هذا الأصل

فتتبع ما رآه في شعر الشعراء من استعارة وتشبيه ومجاز ثم قصدها في شعره وعمل على أن يتكلفها حتى نهج الطريقة لأبي تمام من بعده فجاء هذا واستنفذ فيها شعره

- حتى غرف بها وغرفت به والأصل - كما رأيت - من أبيات متفرقة وكلمات مأثورة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015