الدليل الذي يريده، وهي طريقة المستشرقين ولا قيمة لها في التاريخ وقد نبهنا

إليها مراراً.

كل ما قاله النقاد: إن من يقدم امرأ القيس على الشعراء احتج له فقال

ليس أنه قال ما لم يقولوا، ولكنه سبق العرب إلى أشياء ابتدعها فاستحسنها

العرب واتبعته فيها الشعراء، منها استيقاف صحبه، والبكاء في الديار، ورقة النسيب، وقرب المأخذ، وتشبيه النساء بالظباء والبيض وتشبيه الخيل بالعقبان والعصي، وأنه أول من قيد الأوابد وأجاد في التشبيه وفصل بين النسيب وبين المعنى.

وبهذا تقدم الشعراء لأنهم اتبعوه فيه ولم يتبع هو أحداً، وفن ابن أبي

ربيعة إنما هو داخل في رقة - النسيب، إذالنسيب جنس يشمل صفة النساء

وحكاية أقوالهن، والتسبب إلى مودتهن الخ؛ فإذا كان ابن أبي ربيعة قد استحسن أسلوباً من أساليب امرئ القيس في النسيب فأكثر منه واستنفذ فيه جانباً عن شعره فليس معنى ذلك أنه اخترع الطريقة ولا احتكر الفن؛ ومن الثابت أنه لم يوضع شيء على الجاهلية بعد القرن الرابع، فلو عملوا على طريقة ابن أبي َربيعة ونحوله امرأ القيس لما فات هذا مثل صاحب الأغاني ولجعله كل الفخر لابن أبي ربيعة؛ والمعلقة كانت مدونة مروية في أوائل القرن الثاني.

أما أنهم لم يدلوا على أن ابن أبي ربيعة أخذ فنه من امرئ القيس فلأنهم

لم يكونوا يرون ذلك فناً ولا طريقة، إنما هو شعر كالشعر يُعرف عندهم بمعانيه لا بأسلوبه القصصي، ولم يسمِّه فناً إلا أستاذ الجامعة. "

وأنا أحسبني شاعراً أجد الشعر في طبعي وأفهمه وأنفذ في أغراضه وأقوله

وأحسن نقده وتمييزه، ولا أظن أحداً يكابر في هذا أو ينازعني عليه؛ وإني مع

ذلك لا أرى أثقل ولا أبرد ولا أسمج من شعر ابن أبي ربيعة هذا حين يفضح

النساء ويقول في شعره: قلت لها وقالت لي، وكان مني كذا وكان منها كذا.

وما هو عندي بفن؛ بل خلق سافل وطبع غوى ونفس عاهرة، بل هو فن هجو النساء إذ كان ابن أبي ربيعة لا يحسن مدح رجل ولا هجوه فسسقط من هذه الناحية ليرتفع من الناحية التي تقابلها في النساء، فكأنه ارتفع بقوتين؛ - ثم أراد الرجل أن يسير شعر في الأفواه ولا أسيَرَ من أخبار النساء وأحاديثهن، فهذا هذا.

وطريقته في شعره إنما تحسن حين تتفق في الأبيات القليلة والقصيدة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015