منهم على دعائم إنسانية تعمل في إضعاف الجنسية وإشراب الناس في قلوبهم ما تمجه العقيدة والفضيلة - فإنها لمحقوقة بتركها واطراحها وتحذير الناس منها؛ فلينظر نواب الأمة أين يضعون أيديهم من هذا الفساد لإصلاحه، وليبدأوا بهذا العنصر السام المسمى في كيمياء التعليم "بالطاهوية". . .
وبعد: فلنتمم كلامنا على ما سماه أستاذ الجامعة "البحث الفني"
قال في صفحة 144: ولننظر في المعلقة نفسها "معلقة امرئ القيس". . . ولكنا نلاحظ أن القدماء أنفسهم يشكون في بعض هذه القصيدة، فهم يشكون في صحة هذين البيتين:
"ترى بَعَرَ الأرام في عَرصاتها "
وهم يشكون في هذه الأبيات:
" وقربةِ أقوام حملتْ عصامها "
الأبيات الأربعة. . . ثم يقول: ونظن أن أنصار القديم لا يخالفون في أن
هذين البيتين قلقان في القصيدة، وهما:
وليل كموج البحر أرخى سدوله. . . عليَّ بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بِصلبه. . . وأردفَ أعجازاً وناء بكلْكَل
فقد وُضِغ هذان البيتان للدخول على الذي يليهما وهو:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي. . . بصبح وما الأصباح منك بأمثل
قلنا: وعلى هذا فالقدماء شكوا في اثنتين واستخرج الشيخ الثالثة بفكره
الثاقب ومعرفته بالشعر كنه المعرفة. . . ونحن كنا نرفعه عن مثل هذا التدليس والتمويه، فقد جاءت الرواية بأنه يقال إن هذين البيتين المضروبين مثلاً في الاستعارة مما وضع "خلفُ الأحمر" على امرئء القيس كما وضع من مثل ذلك على غيره، ولم يجزموا أن خلفاً صنعهما بل جاءت الرواية بصيغة التمريض "يقال" ولوْ جاز لنا نحن أن نقول في ذلك لقلنا إن البيتين من شعر امرئ القيس، وإنما نسبوهما إلى "خلف" على الظن، إذ كانوا يذهبون إلى أنه وضع على كل شاعر فحل ما يجوز في شعره ولا يتميز فنه، مبالغة منهم في علمه بالشعر ونفاذه فيه وأنه من ثقافته وصناعته، فإذا أرادوا أن ينسبوا إليه شنيئاً من قول شاعر بعينه عمدوا إلى الاختيار من أحسن ما يقول هذا الشاعر، لأن صنعة (خلف) إنما كذلك تأتي.