قرأت في "الأهرام" حديئاً كان مع أحد كتابها للأستاذ الفاضل مدير
الجامعة يصف ما تم في جامعته مدة عام ويؤرخها فيه، وقد رأينا الأستاذ ركب فناً غريباً من الكلام لا يعمد إليه في طبيعة القول وأساليبه إلا من كان في نفسه أشياءُ تناقض ما في لسانه، أو كان قوله على أصل مخترع؛ وسنعرض لحديثه بعد قليل.
ولما استوفيت القراءة رجعت إلى نسختي القديمة من كتاب (كليلة ودمنة)
لعلي أجد فيها بيان الحديث أو تأويل هذه الفلسفة، فأصبت ما أقص عليك من هذا المثل الغريب، قال دمنة:
وأنت يا كليلة بعدُ لا أراك تخرج من نحيزتك ولا تدع زَهوَك وفلسفتك
وما تبرح في لسانك دأباً كلمتان: واحدة تنحدر وأخرى تَهمُّ أن تنحدر.
وتحسب أن ما معك من هذه الخاصة ليس مع أحد مثله، كأنَّ الله أفردك بها
وما يُفرِد إلا نبيا وما يميز إلا رسولاً وما أنت بأحدهما؟
وإن رجاء الأمور لا يكون بزخرف الكلام ولكن بصحته، ولا تجزئ منه كثرة أساليب الباطل وإنما غَناؤه في أسلوب واحد، إذ كانت الحقيقة الواحدة لا تتعدد.
ولعمري لو نفعك شيء من ذلك لقد كان نفَع الفيلسوفة الأمريكية، قال كليلة: وكيف كان ذلك؟
قال: زعموا أنه كان في أمريكا امرأة فيلسوفة أحكمت المنطق وجمعت
العلوم ونظمت الشعر وألفت الكتب، وكانت صلعاء مُنقشرةَ الرأس، يعرفون ذلك منها ويتواصفونه، فكانت لا ترى امرأة جثلةَ الشعر واردة الفرع إلا قالت في نفسها:
أما إني لا أعرف أحداً من العلماء والفلاسفة وأهل الأدب يقطعني جداله
وتعجزني مسألته، ولو قد جادلتني امرأة كهذه لأعجزتني بأول كلمة منها، فإنها أول بدأتها لا تتكلم إلا في الصلع. . . ويا ويلك إن لم ينطق في قبحك إلا لسانُ الحسن!
قال: ثم إن النساء يومئذ وقع نقص جديد في عقولهن فذهبت كل