كطرفة بن العبد، وإنهما لمتباينان في ألفاظ الشعر؛ فكيف اشتد واحد ولان

الآخر؟

قالوا: وكان الأصمعي يزعم أن العرب لا تروي شعر أبي دؤاد وعدي بن

زيد، وعلل هذا بأن ألفاظهما ليست نجدية، أي ليست قوية متينة السبك في

الغاية من القوة والجزالة، ولقد كان الأصمعي أحق من طه حسين بما ذهب إليه لو أن رقة الألفاظ تنفي نسبة الشعر إلى جاهلي أو مخضرم أو تُثبته لمولَّد أو محدَث تكون سبباً من أسباب الشك.

ومع رقة شعر عدي كان معاوية يفضله

على جماعة الشعراء، ومع رقة أبي دؤاد فضله الحطيئة وهو أعلم بالشعر من طه ومن أجداده؛ فما أظن أن في سلسلته شاعراً وإلا فأين أثره؟

إن الرقة والجزالة واللين والجفاء لا ترجع في الشعر إلى لغة الشاعر ولا

عصره ولكن لعواطفه ومعانيه وذوقه، وللطريقة التي نشأ عليها، وللشاعر الذي يحتذيه؛ فإن الشاعرية لا تنبت شاعريته كما تنبت الشجرة، بل هو بروي شعر غيره فيعمل عليه، ثم تعرض له أمور من نفسه ودهره وعيشه فتوثر فيه قوة وضعفاً، وقد كانوا لا يعذون الشاعر إلا مَن روى لغيره، لأنه متى روى استفحل.

وسئل رؤبة عن الفحل من الشعراء، فقال: هو الرواية.

قال يونس بن حبيب: وإنما ذلك لأنه يجمع إلى جيِّد شعره معرفَةَ جيِّد غيرِه، فلا يحمل نفسه إلا على بصيرة؛ وتأمل ما قالوا في حفظ الشعراء المولدين كأبي نواس الذي لم يقل الشعر حتى رَوى لسبعين امرأة من النساء دون الرجال، وأبي تمام الذي كان يحفظ ما لا يُعد، والمتنبي الذي لم يَفته شيء، والمعرِّي الذي لم تَسقط عن حفظه كلمة الخ الخ.

ولو كان طه شاعراً لعرف كيف تختلف أساليب الشعراء وبمَ تختلف ولِم

تختلف؟ ولكنه بعيد من هذا وهذا بعيد منه كما تعلم، ومتى ثبت أن الشاعر

عندهم هو الراوية - وذلك ثابت لا ريب فيه والنصوص عليه كثيرة وأسماء

الشعراء ورواتهم معروفة - فمن ذلك تعلم كيف تأدى الشعر الجاهلي إلى

الرواة؛ فأولئك هم كانوا الدواوين التي جمعت الشعر وأدَّتْه صحيحاً محفوظاً ثم زيدَ، عليه بعد، ولكن كذبَ الزيادة لا ينفي صحة الأصل؛ والأمر في هذه الزيادة إلى أهله الذين كانوا أهلَه لا إلى طه ولا أمثال طه، فإذا رأيناهم يقولون مثلاً:

كان امرؤ القيس كثير المعاني والتصرف لا يصح له إلا نَيف وعشرون شعراً من طويل وقطعة؛ فما بنا بعد هذا القول حاجة إلى طفيلي في الشعر وروايته

وتحقيقه كأستاذ الجامعة ينفي أو يثبت"، علىِ مذهب ديكارت أو علِى مذهب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015