ويتضاعف من زلاتهم؛ إلا ذا المصيبتين، فهو وإن كان من جملتهم فإنه

وحده. . .

وبهذا تقدمَ عليهم وبانَ منهم حتى رأينا فيهم من يصفه بأنه زعيم

المجددين، ولعله من أجل هذا لم تجد الجامعة غيره ولم تعدل به أحداً إذا صح

أن هذه الجامعة أداة من الأدوات كما هي مدرسة من المدارس؛ ونحن لا نزال

نتوقف في هذا فلا نبت الحكم عليه إلا بعد التثبت والاستبانة الصحيحة لأن

أثقال هذا الميزان من الرأي لا تزال ناقصة ولا يقع الرجحان فيه إلا بعد أن يُلقَى في كفتيه عمل الأستاذ الكبير مدير الجامعة، فإن هو ظل ساكتاً بعد الآن فسكوته عمله وكفى، وسكوتهُ يُنطق غيره، فما هو وحده بذي اللسان ولا هو يملك على أحد لسانه، وهو عندنا رجل للتاريخ فليحذر ألسنةَ التاريخ.

قلنا إن طه ذو المصيبتين على الأمة، ولكن الله تعالى يرعى دينه ويكلؤه

فيسر طه لما خُلق له، ثم يسره لمن يصدمه، فهو حجر لكنه هش لين المكسر، إذ كان من طبقاته التي يتألف منها طبقات مُتفتتة خُلقت من كُسارة الأحجار ودُقاقها كالطباشير، فهو ينطوي على طريقة كسره رحمة من الله بهذا الدين، وتلك سنة لن تخطئها في أعداء الإسلام إذ أنت استعرضتَهم وميزتهم فلا تتبدل ولا تتغير، ولولا ذلك لما هلكوا وبقى الدين، ولا ذهبت كتبهم وبقي القرآن.

وترى ذا المصيبتين هذا يحمل أسلحة كثيرة من العلم والتاريخ والجراءة والشك والحماقة، ولكنها كلها متفللة تكسرها في أصابعك لو شئت؛ فمعه إلى قوة الكلام ضعف الفهم وإلى شدة الصولة خَوَرُ الهزيمة، وهو سبَّاق القلم لكنه أعرج الخيال، سديد الجدل لكنه سيئ التاريخ؛ وقس على ذلك من فضائله وأسباب قوته ما إن تدبرته رأيته لا يأتي أبداً إلا متعارضاً متهاتراً في بعضه إسقاط لبعضه.

وضع الأستاذ كتابه ليبحث في أن الشعر الجاهلي مصنوع محمول على

أهله، وأجمل هذه الفكرة وأسبابها ثم قال في صفحة ": "ولكني لن أقف عند

هذه المباحث، لأني لم أقف عندها فيما بيني وبين نفسي، بل جاوزتها وأريد

أن أجاوزها معك إلى نحو آخر من البحث أظنه أقوى دلالة وأنهض حجة من

المباحث الماضية كلها، ذلك هو البحث الفني واللغوي، فسينتهي بنا هذا

البحث إلا أن هذا الشعر الذي ينسب إلى امرأ القيس أو إلى الأعشى أو إلى

غيرهما من الشعراء الجاهليين لا يمكن من الوجهة اللغوية أو الفنية أن يكون

لهؤلاء الشعراء" انتهى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015