أو العلم الناقص؛ فأما أثر الخلق الضعيف والعرق الهجين فليس له إلا الحكومة بمدارسها، فإن أهملته في المدارس فلن يهملها هو في الأسواق وما وراءها من الأماكن والجهات حين ينبتُ الملحدون المتعلمون في الأمة ويتعاطون أمورها ويجارونها في أسباب الحياة؛ وأما العلم الناقص فأنت ترى أن صاحبه ما إن يتناول شيئاً من دقائق الفكر إلا انتهى إلى الحكم بأن فيها عجزاً أو ضعفاً أو اضطراباً، كما يفعل طه حسين في دقائق التاريخ والشعر والدين، وذلك طبيعي لا يكون غيره، فما العقل الناقص إلا كالعين المريضة: لا ترى أثر مرضها إلا في الأشياء التي تراها والأشياء مع ذلك صحيحة لا مرض فيها.
واعلم أن الخطأ ولو في فكرة واحدة إن لم يكن إتلافاً وإحالة وإفساداً فهو
تشويه ونقص، لأن الفكرة جزء من الأجزاء التي يتألف منها الكل المعنوي.
ومتى كثرت الفِكَرُ المخطئة بأي الأسباب من نقص العقل أو الذكاء أو الخلق، فذلك أشنع ما أنت واجده في عمل هؤلاء الملحدين إذ يفسدون الإيمان وهم يحسبون أنهم يصححونه، وما الإيمان إلا صورة معنوية كاملة لها أجزاء
ولأجزائها ألوان ولألوانها مقادير؛ فقل الآن في رجل أشل اليد أو سقيم النظر أو فاسد الذوق تريده على أن يرسم صورة امرأة جميلة ويكون من بعض آفاته أنه رجلُ منطق وتعليل وإبداع واختراع يزعمه، ثم لا يكون منطقه الذي يلائم ذوقه وفكره وفنه إلا على هذا التمثيل.
إن الحاجب أسود، والأسود يضاده الأبيض.
والضد يظهر حسنَه الضد، فالعين في الصورة يجب أن تكون بيضاء. . . والخد أحمر! والأحمر لون النار وللنار دخان يزينها من حواشيها، فعارضا المرأة يجب أن يكون لونهما في الصورة أسود ويمر في هذا المنطق ثم يخرج لك الصورة الجميلة فإذا هي صورة امرأة عمياء ملتحية، لم يخرجها من الطبيعة ولا من الفن بل من المنطق والحدس.
ثم من منطقه هو خاصة، ثم مما حدث بظنه على أنه
إبداع واختراع، وكل أولئك الذين تعرفهم ما منهم على الأمة إلا ذو مصيبة
واحدة، خلا الدكتور طه، فإنه ذو المصيبتين، لأنه وحده الذي يتناول الأدب العربي من دون هذه الفئة ويريد أن يأتي الإسلام من دعائمه، أما سائرهم فأهلُ سياسة وفلسفة؛ لا يُقدم أجرؤهم على بحث أدبي فيديره على الإلحاد إلا جعله على جهة النظر الاجتماعي أو السياسي.
فبذلك يهاجم الأدب وينهزم عن الأدباء.
لأنك إذا جادلته التوى عليك بأنه ينظر إلى غير ما تنظر، ويذهب في
غير مذهبك، وأخذ يكيلك الحصى وأنت توازنه الذر؛ فكلهم في الأدب مخادع نفسه؛ ولذلك لم يشتغل بهم أحد من علمائنا وأدبائنا على ما يتسع من عيوبهم