المسلمين شابٌّ إسرائيلي ذكي سمعنا نتكلم في مسألة كتاب الشيخ علي عبد
الرزاق عقب ظهوره، وكونه ينصر فيه دعاية الإلحاد الجديدة؛ فقال: ليست المسألة مسألة كتاب ألفه شيخ مسلم في محاربة الإسلام، فلو كان هذا كل ما تشكو منه لهان خطبه. ولكن المسألة كل المسألة - هي التنازع بين " الجامعة المصرية" وجامعة الأزهر، فإذا غلبت الثانية بقيت هذه البلاد إسلامية، وإذا انتصرت الأولى لحقت مصر بالبلاد التركية وانقضى عصر الإسلام فيها" انتهى كلام السيد بحروفه.
وتقع هذه اللطمة وفيها قوة الأربعمائة مليون يد إلا تسعاً. . . على وجه
الجامعة، فلا ترى هذه الجامعة الذليلة تغضب لدين أو كرامة أو أمانة.
ولا يكون منها إلا أن تدير القفا. . . وكنا والله نحسبها ساكتة في جدالنا إياها عن عجز، لأننا على ما نعلم من وجوه الضعف الكثيرة في نفسنا نعلم يقيناً أنه ليس في هذه الجامعة من يقوم لنا في هذا الباب الذي نجادلها فيه، وهي بعدُ مغرورة بأستاذها تحسب الأدباء يتحامَونه لأن في فمه لجة من السب والشتم يغرق فيها من يتصدى له، فليكن في فمه البحر فإن ذلك لا يعجزنا أن نجيئه في وسط اللجة بتراب اليابسة يُرغم أنفه.
والآن علمنا أن إيمان الجامعة أو إيمان طه حسين بالله وملائكته وكتبه
ورسله واليوم الآخر في ذلك الكتاب الذي أذاعته الجامعة إنما كان في بابه تزيُّناً كتجمْل تلك المرأة السوداء التي سخر منها القدر حين وُلدت فسماها أهلها دنانير. . . ثم سخر منها حين كبرت فتزوجها أعشى سُليم الشاعر.
ثم سخر منها الثالثة حين تجملت وتكحلت بالإثمد فانطق الأعشى بهذا البيت:
كأنها والكحل في مِرودها. . . تكحل عينيها ببعض جلدها
كثيراً ما سألت نفسي: هل في مصر كلها رجل واحد يحق له أن يكفر؟
وبمعنى آخر: هل في مصر كلها رجل عبقري شاذ يبلغ من سمو العقل وسعة
الإحاطة وحدة الذهن وغؤر النفس أن يكون له رأي خاص في الإيمان ينكسر به ما أجمع الناس عليه؟ وبمعنى ثالث: هل في مصر ممن يقلدون بعض فلاسفة
الأوروبيين في الإلحاد من يُعد في طبقة من يقلدهم بحيث لو كان في أوروبا
الملحدة لقلده أذكياء الأوروبيين وأساتذة الجامعات هناك. . .؟
إن البلاء كله إنما يجيئنا من ناحية الأخلاق الضعيفة أو الأعراق الدساسة