خيالاً وأبعدهم من الشعر ومعانيه.
ولقد نقل خلاصة من رواية الزنبقة الحمراء
لأناتول فرانس - وهي من أبلغ كتب هذا العبقري العظيم - فجاء بها كلاماً جافا لا ماء فيه ولا رونق له، وما ينقصها من أنواع النقص أن تكون من تأليف طه حسين لا من ترجمته!
ولست أدري كيف يأتي لمن لا يكون الشعر من طبيعته أن يكون ناقدا
أديباً أو أستاذاً للأدب، وفي أي أمة نجد مثل هذا، وهل كل من عرف الحساب عرف منه الهندسة، لا نظن أحداً يزعم ذلك أو يكابر فيه إلا طه، فإنه وحده يعرف من جدول الضرب. . . علوماً كثيرة منها الهندسة والجبر وحساب المثلثات والطبيعة والكيمياء وكل ما دخله العدد، ما دام الحساب هو العدد.
وتراه لا يجادل في شيء بما أوتي من قوة إلا في إثبات أن الناقد الأدبي لا
يجب أن يكون شاعراً، وأن المعرفة بالشعر ليست ضرورية فيه كضرورة الأداة في الصنعة لمن يتصرف بها، ولو أن الشعر كان جَدَلاً وقياساً وقواعد وحدوداً لما نازع في أمره، لكنه يعلم أنه الذوق والقريحة وهما من أسرار السموات، ويعلم أن الشمعة إن كانت نوراً فنورها غير أشعة رنتجن "فلا هم له من ثمة إلا أن يزعم أن النقد الأدبي منطق وعلم وتأمل وفلسفة"
وفي بعض هذا كل وسائل النقد، وكل هذا بعض مواهبه هو فيما يدعي.
ولقد رأيت كلمة بليغة للآمدي كأنما كتبها للرد على أستاذ الجامعة منذ
أكثر من ألف سنة؛ أو لعله كان لهم في زمنهم طه كما لنا في زمننا، وكل ذلك (الطاها) يظن أن رِجله برقُ الأرض تطوي أقاصيها في بعض خطوات فقال له الآمدي: (ولعلك أكرمك الله اغتررتَ بأن شارفتَ شيئاً من تقسيمات المنطق وجملاً من الكلام والجدال، أو علمت أبواباً من الحلال والحرام (هذه نسيها طه. . .) أو حفظت صدراً من اللغة، أو اطلعت على بعض مقاييس العربية؟
وإنك لما أخذت بطرف نوع من هذه الأنواع بمعاناة ومزاولة ومتصل عناية
فتوحدتَ فيه وميزت، وظننت أن كل ما لا تلابسه من العلوم ولم تزاوله يجري ذلك المجرى، وأنك متى تعرضت له وأمررت قريحتَك عليه نفذت فيه وكشفت عن معانيه؛ هيهات! لقد ظننت باطلاً ورمت عسيراً، لأن العلم أي نوع كان لا يدركه طالبه إلا بالانقطاع إليه، والإنكباب عليه، والحرص على معرفة أسراره وغوامضه ثم قد يتأتى جنس من العلوم لطالبه ويسهل؛ ويمتنع عليه جنس آخر ويتعذر لأن كل امرئ إنما يتيسر له ما في طبعه قبوله وما في طاقته فعلُه