هذه واحدة، والثانية مَحقُ البدعة التي جاء بها طه حسين في الأدب
والبراءةُ من كتابه السخيف وإعلان فساده من الجامعة ذاتها.
فإن التهمة ليست على طه إلا بأنه في الجامعة، فالتهمة على الجامعة نفسها وهي وحدها المتهمة بالإلحاد والجهل والخلط وفساد التأويل والاستهزاء بالأمة وإصغار علمائها وأدبائها، لأنها هي وحدها الراضية بالكفر المُعِينة عليه المشارِكة فيه، والمقرةُ للجهل الداعية إليه المحققة له.
كان الفيلسوف أرسطو يرى بعض الرأي فينكر عليه لأن أفلاطون يذهب
خلاف مذهبه، فكان يقول: إذا اختلف أفلاطون والحق فأيهما أحق أن يتبع؛ ونحن نقول للجامعة: إذا اختلف أفلاطونك. . . والدينُ ثم التاريخ، ثم العقل ثم الفهم؛ فأي الفريقين أحق بالاتباع؟
وفيم نحن أيتها الجامعة إلا في بيان سقَطِه وغلطه، وناهيكِ بهما سَقطا وغلطا لولا أنكِ في فلسفتك على شبيه مما يقول أناتول فرانس في فلسفة القوانين إذ يقول: إن الاجتماع قائم على أصلين:
الأول أن السرقة محرمة، والثاني أن ثمرة السرقة مقدسة لأنها من حرية العمل!
فأنتِ كذلك ترين أن الأدب قائم على أصلين: الأول أن الخطأ جهل مردود، والثاني أن ثمرة الخطأ علم مقبول لأنها من حرية الفكر!
والآن نظهرك أيها القارئ على سر من أسرار الخطأ في أستاذ الجامعة.
وإليه يرجع أكبر السبب في كلال ذهنه وتعقد فهمه وتهافُت آرائه وأنه إذا تعاطى القول في الأدب لم يتمكن من معنى صحيح ولم يصب غرضاً واقعاً، ولا يزال دأباً يلوذ بأطراف الكلام حتى كأنه لا يفكر إلا بنصف عقل، فلا يخرج نصف كلامه إلا من لغو وعبث وخطأ، ولا يزال يعتريه ما يعتري كل من اتخذ الخلاف مذهباً فيُحيل أكثر الكلام عن جهته ويجعل الخطأ صواباً والصوابَ خطأ، ويستلب الرأي من أهله ويفسده عليهم في ظاهره أو باطنه، ثم لا يرضى إذا فرط منه الجهل أن تُبين له العلم، وإذا وقع في الغفلة أن تكشف له عن الحقيقة، فإن فعلتَ طار الغضب في رأسه فزلزله عليك زلزالاً وفجره تفجيراً وجعله بركاناً فملأه نيراناً وبذلك تميز في أمثاله ومَهر، وبان وظهر، وغلبَ وقهر، وكان واللهِ سبة لأدباء هذا العصر، فكل ما في الرجل من قوة وجرأة فإنما هو مما فيهم من جبن وانكماش. . .
أما ذلك السر فهو أن طه لما عَرف من نفسه ضعف المخيلة، ورأى أنه لا
يدرك ما يتعرض له ولا ينفذ إلى حقيقته، عَدَل في الأدب عن طبيعة الشعر إلى طبيعة المنطق؛ إذ كان الأصل فى هذا المنطق الاتساع في الكلام وهو من