وتالله ما رأيت رجلاً أَعجب من هذا الأستاذ، ولكن كلامه إنما هو صورة
فكرِه، وفكرُه مظهر أخلاقه؛ وحسبُك من أَخلاقه هذا العناد وهذه المكابرة وهذا الكذب وهذه السخرية كأنه ليس في الأمة كلها إلا هو وحده يعقل ويفهم، وإذا نحن تابعناه على منطقه فكل الشهود الذين رأوا اللص بأعينهم وشهدوا على جناية يده هم اللصوص، واللص وحده هو البريء!
فإن قيل له إن في هميانك ألف درهم مسروقة، ووضعوا أصابعهم عليها، قال: وليس فيها واحد يمكن أن يقال إنه مسروق. . . فإن كان فيها فإنما ذلك إبعاد للأموال المقدسة عن قسوة المباحث الشيوعية.
ألا ليت شعري لهذه الجامعة، ما الذي يمنعها أن تعلم هذا المنطقَ البديع
في دروس الحقوق، فإنها بذلك تخدم حرية الفكر والعمل، وإنها بذلك ترحم
كثيراً من اللصوص والمجرمين وأهل الكبائر والصغائر مما تدعوها إليه الإنسانية
وتحمده لها بتلك الألسنة؟
وأيم الله لو أمكن لصاً من نوابغ اللصوص أن يكون أستاذاً لقانون
العقوبات وأمكن مزوراً أن يدرس القانون المدني وشيوعياً - أحمر. . . - أن
يكون أستاذاً للقانون الدولي لما فعل أكل واحد منهم في دروسه إلا شبيهاً بما
فعل طه حسين في درس الأدب، فلِمَ تأتي الجامعة بالرجل الملحد يحكم بكفره
ألفُ عالم فتعهد إليه بدرس الفن العربي الذي معجزته القرآن، ولا تأتي باللص
والمزور والشيوعي يتناولون القوانين ويفتحون فيها باب الرحمة بمفتاح
ديكارت؛ وهل هذا إلا جنس واحد بعضه من بعض؟
فإن قالت الجامعة إن أستاذها ليس ملحداً ولا كافراً ولا زنديقاً، قلنا وهذا أشد خزياً ومقتاً، فأيما أقرب إلى الصدق والسداد: قولُ رجل أو رجلين أو ثلاثة لا سابقة لهم في الدين ولا صلة لهم بعلومه، أم قول ألف عالم يحملون ألف شهادة دينية وعلى مقدمتهم شيخ الجامع الأزهر؟
إنهما اثنتان عَقِمَت أم المنطق فلم تلد لهما ثالثة:
فإما إباحة الخلط في كل علوم الجامعة وتَركُ الطلبة أحراراً في التفكير والاقتناع وفي الشك واليقين، فلا يؤخذ أحدهم بحفظ شيء لا يراه صحيحاً، ولا يُسأل ما رأيُ فلان في كذا بل ما رأيك أنت. . . ولا يحاسَب على خطأ ولا صواب، لأنه لا خطأ ولا صواب في مذهب الشك، بل هو كله كالدائرة المفرغة ليس فيها أطراف، وإنما لها المحيط لو شئتَ لقطعتَ العمر كله دائراً فيه بلا نهاية ولا غاية معينة، وإن كان في باب المساحة لا تزيد رقعتها على دائرة ثورِ الساقية.