إلينا نتولاها كيف شئنا بعد أن غارت وانخسفت، وإنه من أجل ذلك نفيض فيما نكتبه ولا نزال نتبسط في الشرح ونتسع في تحليل نفسية طه وإيراد معايبه وبيان أغلاطه وأسبابها، ومن أجل ذلك نسجل هاتين الكلمتين كما أشرنا آنفاً، إذ هما عندنا باب من القول على حدة.
فالكلمة الأولى هي للدكتور طه حسين حديث له مع جريدة
" الأنفورماسيون " ترجمته "السياسة".
قال والإشارة في حديثه لحضرات علماء الدين:
"قيل لهؤلاء البسطاء. . . إني أطعن في الإسلام، فشهروا الحرب علي
جميعاً، وعلى أني أقول عالياً إنه ليس في كتابي كلمة يمكن أن تؤول ضد
الدين، والعبارة الوحيدة التي يمكن أن أنتقد من أجلها تضع النصوص المقدسة
بعيدة عن قسوة المباحث التاريخية. . . ".
والكلمة الثانية للأستاذ الشيخ عبد ربه مفتاح من علماء الأزهر في مقالة
نشرها "الكوكب "، وهي قوله والخطاب لـ طه حسين "وكيف تزعم أيها الدكتور أن بعض العلماء أثار هذا الأمر - أمر كفرِك - وهأنذا أصرح لك - والتبعة في ذلك على وحدي - بأن العلماء أجمعين وعلى بكرة أبيهم يحكمون عليك بالكفر، وبالكفر الصريح الذي لا تأويل فيه ولا تجوُّز؛ وأتحداك وأطلب منك بإلحاح أو رجاء أن تدلني على واحد منهم
"وواحد فقط" يحكم عليك بالفسوق والعصيان دون الكفر.
أجل إني وأنا من بينهم أتهمك بالكفر وأتحمل تبعة هذا الاتهام.
وعليك تبرئة نفسك من هذا الاتهام الشائن والمطالبة بما لك من حقوق
نحوي. اهـ.
نسجل هاتين الكلمتين للعلم والتاريخ والأدب، ثم ليعلم الناس مبلغ
مصيبة الجامعة في أستاذها الذي كله مصائب، فالأعين ممتدة إليه في هذه البلاد ولا يستحي أن يظن نفسه في أرض قفر، والأمة كلها توفر علماءها وتفزع إليهم في أمر دينها وتراهم من رحمة الله بها ولا يخجل هو أن يسميهم (البسطاء) وهو يعلم أَنها كلمة عامية لا يراد بها في لسان العامة إلا البلاهة والغفلة وما إليهما.
وكل العلماء إجماع على كفره الصريح حتى لا تأويل ولا تجوُّز ولا مطمع في
حكم دون الكفر ثم هو تبلغ به الرقاعة أن يدعي أنه ليس في كتابه (كلمة) يمكن تأويلها ضد الدين، مع أنه لا يُهدم دين من الأديان بأنكى ولا أخبثَ من الطريقة التي انتهجها في كتابه وأدارها على إسقاط هيبة الدين وأهله في نفس الطالب الناشئ، ثم الشك فيه، ثم التأدي بهذا الشك إلى الإنكار منه، ثم التأدي بالإنكار إلى الهدم؛ وهذه درجات يركب بعضها بعضاً كما ترى.