القصص الذي كان يمضي مع الخيال حيث أراد ويتقرب من نفس الشعب ويمثل له أهواءه وشهواته ومُثُلَه العليا، فليس غريباً أن ينصرف عن القصص أصحاب الجد من المسلمين " انتهى.
قلنا: وهذا عجيب جداً من أستاذ الجامعة، فإن معناه أنه لم يشتغل
بالقصص إلا أصحاب الهزل والرقاعة.
ونحن نقرر أنه لم يكن يقص في أولية هذا الفن الإسلامي إلا أصحاب الجد من المسلمين وبه عُرِفوا وبهم نشأ وبفصاحتهم نبغ، وهذا الحسن البصري كان أشهر قاص في زمنه، وهو من سادات التابعين وكانت أمه مولاة لأم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وكانت أم سلمة
تُرضعه أحياناً؛ وقد قالوا إنه جمع كل فن من علم وزهد وورع وعبادة، وقال أبو عمرو بن العلاء إنه ما رأى في عصره أفصح منه؛ ولكن أستاذ الجامعة يخلط في معنى القصص والقاص لأنه يريد بعد هذه العبارة التي كتبها أن يأخذ اسكندر دوماس صاحب القصص الفرنسية المعروفة - وهو من أكبر المزورين والمدعين والمنتحلين - فيقحمه في التاريخ الإسلامي ويشبه به علماءنا كما سيأتي بعد، فيجعل القصص بذلك روايات وخيالات، أو كما يقول: " أهواء الشعب وشهواته ". . .
ثم إننا نقرر له أن القاص لا يسمى قاصاً عند المسلمين إلا إذا كان يقص
للتعليم والوعظ وللتذكير بالآخرة والتزهيد في الدنيا وحفظ الروح والخُلق
ونحوهما، وأن أساس هذا الفن كان تحريضَ المؤمنين على الجهاد والترغيبَ
فيما عند الله وإيثاره على الحياة، فكان مرجع القاص في قصصه إلى التفسير
والحديث والحكمة وما تناوله من أخبار الماضين وما لا حرج عليه في وضعه
مما يراد به غرض من تلك الأغراض، وقد قرروا أن الحديث الضعيف يُعمل به في فضائل الأعمال، فكذلك القصة الموضوعة يؤخذ بها في الوعظ دون
التاريخ؛ لأنها إنما وضعت لذلك دون هذا؛ وما نشأت أهواء الشعب في
القصص إلا بعد أن تعاطاه الهفال المقتحمون عليه من غير أهله وجعلوه من
عملهم للحياة والعيش، ومع هذا فأمثال هؤلاء يعرفهم العلماء من أول التاريخ ويعدون قصصهم بدعة ويحذرون منهم كما يحذر أهلُ كل علم من الواغلين عليه.
وبعد أن ذكر الأستاذ مصادر القصص على زعمه قال: " إن القصص
العربي لا قيمة له ولا خطر في نفس سامعيه إذا لم يَزِنه الشعر من حين إلى
حين" (كذا، وإنما لحين الزمن) وضرب مثلاً بألف ليلة وليلة وقصة عنتر، ثم