فلسفته إلى الشخصية، وليس بهين أن يقال في هذه الشخصية إنها حيث يطمع

كل طامع. وإن ديكارت مع ذلك ليخشى على التكوين الاجتماعي من الشك، لأن الشك لا حدَّ له، إذ هو المجهول كله، فهو من أجل هذا يشترط أن لا تُمس أصول الدين ولا يُجترأ على ما أنزله الناس في منزلتها من أصول العادات؛ وكل ذلك على ما فيه من القيود لا يتفق على أحسنه إلا لمن كان عقله من الذكاء والنفاذ كأنه قيد للمعاني والخواطر، فهو إطلاق لا يراد منه الإطلاق الأحمق كما ظهر في كتاب أستاذ الجامعة، بل تقيد الحقيقة التي لا سبيل إليها إلا من البصيرة، وما البصيرة أن تَعمَى عن الحق بشيء من العاطفة أو العصبية، ولا بشيء من الجهل أو ضعف الذهن، فإن هذين كهذين، ومذهب ديكارت كفه تجده على أسماه وأبعده من الاعتراض وما يدخله من الشبهة في قوله تعالى: (هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ) وأنت فلا يذهبن عنك معنى "البصيرة" وأنها أذكى الذكاء وأسمى العقل وأقوى الخلق وأصح الطباع، وكل ما نفذ بك إلى الحقيقة المستكنة في حجبها وجنبك عمى النفس بدرجاته المختلفة، وهذه البصيرة كلمة واحدة ولكن كل وسائل الحقيقة واليقين منطوية فيها فهي من الكلام الجامع المعجز، ثم إنها قيد ينفي عن هذا المذهب من لم يكن قد جعلته الطبيعة من أهله أو لم تكن الطبيعة هيأته بالأسباب التي بها يطيقه وبها يُحسن القيام عليه.

وأغرب ما في هذا القيد أنه يقيد السبيل أو المذهب بالدعوة إلى الحق

خاصة ولا يطلقه في كل دعوة، إذ كانت النفس الإنسانية لا تتعاطى هذا الشاو البعيد إلا إذا قويت بالحق قوةَ بالغة وكانت من أسمى النفوس وأعظمها وأقربِها إلى الانسلاخ من جلدتها الأرضية، وفيما عدا ذلك فهذا المذهب الفلسفي وهم وخيال وتجاوُز لمقادير الحقائق في طلب هذه الحقائق وأنت خبير أن الصدق إذا نقصت منه كلمة فغيرت من حقيقته استحال كذباً، وإذا زيدت فيه كلمة فغيرت من حقيقته رجع كأنه نقَص ولم يَزِد وما الزيادة والنقص إلا من هوى أو جهل والهوى بعضُ أثرِ النفس، ولن تجد التهمة على الحقائق إلا حيث تجد هذا الأثر.

وانظر ماذا يقول أناتول فرانس في مثل ما يزعم طه حسين أنه ينتحله من

مذاهب النقد المجرد، فهو يقول: "إن النقد لا قيمة له إلا قيمة الناقد، وهو

كالنوع من أنواع القصص، وما مرجع القصة على الحقيقة إلا سيرة من يقضها، فبنفسه يكتب عن نفسه.

وهؤلاء الذين يباهون بأنهم يضعون في فنهم شيئاً غير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015