أيتها الأمة والسلامةَ السلامةَ، فإن هذه الجامعة المشؤومة لا تصنع لك دينا
بدينك، ولا تؤلف لك فضيلة من فضائلك، ولا ترد عليك ما تسلبك من ذات نفسك، وما حجتها إلا حجة الزنادقة في كل عصر، وما حجة الزنادقة إلا حرية الفكر والبحث، ولو لم يكن في الإنسان إلا الفكر وحده لقلنا عسى. . . ولكن هناك النية القائمة على الخلق، والخُلق القائم على الطبع، والطبع الذي منه خبيث لا يطيب وطيب قد يخبث!
النجاةَ النجاة أيتها الأمة، فلو استطاعت الجامعة المصرية أن تجعل هذا
المغرور طه حسين يرد على الميت عمره وينقله من قبره ويجعله تلميذاً في
الجامعة يكفر بإبراهيم وإسماعيل ومحمد صلوات الله عليهم - لما أمكنها أن ترد على ملحد إيمانه الضائع، وعلى شاك يقينه الذاهب، وهذا لو أنها تكفر أبناء المسلمين بالعلم وللعلم، فكيف والأمر كله جهل في أستاذها وسقوط في نفسه وضعف في عقله وسوء تقليد منه أو تقليد سوء، وهو رجل لا يعرف علته الفلسفية ولا يدرك أنه منهزم أمام الحس، فهو يهدم ويخرب بقانون طبيعي فيه، لأنه أشعل من داخله لينفجر من داخله ولما منعته الحياة أن يعبث بحواسه ذهب عبثه كله إلى فكره وتسلط على لسانه، فهو رجل قانونه الطبيعي أنه مهما يأخذُ يفسِد ومهما يدع يصلح. . .
ولقد أفسد مذهب ديكارت وعدا عليه، فإن هذا الفيلسوف لا يأخذ
بمذهبه إلا مَن يحسن التفكير ويقوى على أن ينتج فيه إنتاجاً صحيحاً ويستجمع لذلك مادته الطبيعية من الذكاء والعلم والرأي. وإلا فديكارت إذن أحمقُ، بل يكون أجهلَ الخلق، إذ لو أطلق لكل إنسان أن يشك ويذهب بفكره ما يذهب على قدر ما يتهيأ له من الوسائل لانقلبت الأرض مارستاناً للمجانين، ولخرجت كل حرية عن وضعها في الطبيعة وفي الاجتماع وزاغت عن طريقها في نظام الدنيا القائم على اختلاف أنواع الحرية لا لتتنافر بل لتلتقي في الغاية، وعلى اصطدامها لا لتتناقض بل لتنتظم في ترتيب بعينه، ومن أجل ذلك يرجع ديكارت