يلبس إلا ثياب المارد الطويل، ومفلس ثم لا ينفق على أعين الناس إلا ذهبا
أصفر فهو ماذا؛ ثم قلنا لهم إنكم علماء بالعلم الذي تسرقونه ولكنكم جهلاء لما تتعاطون من السرقة، وإنكم فلاسفة بالآراء التي تنتحلونها ولكنكم أغبياء لما تصنعون من سوء الانتحال، ومصلحون بالأقوال التي تزخرفونها ولكنكم مفسدون لجهلكم عواقب هذا التمويه.
ثم قلنا إننا لا ننخدع ولا نغتر ولا نتعبد للأسماء، ولتأت الأسماء من
حيث هي آتية في المغرب والمشرق فهاتوا حققوا فلسنا في سرعة التقبل منكم
مثلكم في سرعة الأخذ من الأوروبيين، ولا نحن في الشراء من دين الغرب
مثلكم فيما بعتم من دين الشرق، وفصلُ ما بيننا وبينكم أن في أيدينا أصل
الفضيلة فهو قياس لرذائلكم عندنا كما هو قياس لفضائلنا عند أنفسنا؛ وفي
أيديكم أصل الهوى فهو قياس لكل شيء عندكم إلا ديننا وفضائلنا، ثم قلنا لهم من علامة الضعف في عقولكم الجبارة. . . والاستخذاء في نفوسكم الراقية. . .
أنكم تقدسون فلاناً وفلاناً من فلاسفة الأوروبيين حتى فيما يؤخذ عن سواهم، وتحقرون فلاناً وفلاناً من فلاسفة الشرقيين حتى فيما لا يؤخذ إلا عنهم؛ فهل هذه ويلكم إلا سِمَةُ المستعبَدين والعجزة والمتواكلين، تجعلون الأسماء
الأوروبية كأنها أسماء الدول العظمى والأسماء الشرقية كأنها أسماء
المستعمرات، ولا تعلمون أيها الفلاسفة المغرورون أن هذا من شر ما تستعبد به الأمم الضعيفة؛ لأن قديمنا الذي تزرون عليه يذهب في جديدهم الذي تدعون إليه، ثم لا يكون جديدهم من بعد إلا مزجا بيننا وبينهم، ثم لا يكون هذا المزج إلا لعاب السياسة في أشداق الاستعمار لإساغة اللقمة أولاً وَحدرِها ثانيا وهضمها بعد ذلك.
فإذا قلنا لهم هذا ونحوه قالوا: متحجرون، وقدماء، وأنصار القديم.
فنعم نعم؛ غير أننا مع ذلك نلين لما لا يكْسِرنا، ونتجدد بما لا يفنينا، ونريد أن تبقى الأمة ولو هلك ألف من أمثال طه حسين، لا أن يبقى هؤلاء وتهلك الأمة، وما هلاك الأمم بالانقراض ولا بالأوبئة ولا بما يجتاحها من اصطدام النواميس، فإن مع كل شيء من هذه ونحوها عذره القائم وضرورته الملجئة، ولكن الهلاك الذي لا هلاك غيره أن تضعف الضمائر المؤمنة وأجسامها ضارية، وتمحق الفضائل والشهواتُ عنيفة، وتموت العقائد والحياة قتال ونزاع؛ فإن كان الشك والزيغ ومذهب فلان وطريقة فلان ورواية فلان والجامعة المصرية وطه حسين والبلاء الأسود - إن كان هذا مما يؤدي إلى ذلك أو بعض ذلك فالنجاةَ النجاةَ