المذيَّلة بأسماء جميع علمائها، وعلى قرار علماء الأزهر، وعلى احتجاج الشعب المصري، وعلى ما كتبه الأساتذة الكبار، وعلى مقالاتنا الضعيفة أيضاً، لعلم من كل ذلك فضيحة الجامعة فتغير رأيه، فتغير حكمه، فتغير التاريخ الذي يجيء به ويؤلفه.

لا جرم كانت المادة المحفوظة هي التي تنشئ التاريخ إنشاء على حسبها

فلا تجزئ عنها الفلسفة ولا الفكر ولا مذهب ديكارت ولا مذهب طه حسين؛ إذ هي وحدها سبيلنا إلى ما لا يمكن أن نلحق به أو يرجع إلينا، أما اتهام

الرواية والجرح والتعديل وما كان من الانتحال بزيادة أو نقص ولسبب وغير

سبب، فهذا وما يجرى مجراه عمل الفكر الذي أفيضت عليه تلك المادة لا

الذي انحسرت عنه، فعلى قدر ما يعجز المؤرخ عن استيعاب المادة يكون عجز فكره، ويدخل رأيه من الخلل والاضطراب والنقص بمقدار ما عسى أن يكون في تلك المواد التي سقطت عنه من الإحكام والضبط والزيادة وغيرها من أسباب الرأي، ولن يسلم مؤرخ الأدب من ذلك ولن يكون لفكره نفاذ ولن يكون رأيه رأياً إلا إذا أزاح هذه العلة بالاطلاع والجمع والاستقصاء؛ وذلك ما نبهنا إليه الجامعة في غير موضع من كلامنا، لنعلم أن المطلب بعيد والطريق وعر، وأن تاريخ الأدب ليس مقالة إلى مقالة ولا فكرة إلى فكرة، ولا هو من باب الكلام الصحفي، ولكنه مادة إلى مادة وتحقيق إلى تحقيق؛ فلتعاير كتاب أستاذها بهذا المعيار، ولتبحث فيه عن المادة قبل الرأي، لَكنها ستراه كله خلطاً أحدثه تمازج

عصرين متناقضين، أحدهما: عصرنا هذا بما فيه مما يعرف الأستاذ عياناً

وتصديقاً، والآخر: عصر العرب بما كان فيه مما لا يعرف إلا بعضه وهماً

وتكذيباً، لأنه لا ينساغ في طبيعته المعتلة الزائغة التي أفسدتها العقلية الأوروبية.

ومتى سُلط الفكر التاريخي بالمشاهدة على الوهم وبالتصديق على

التكذيب وكان لا يجري في ذلك إلا بميل وهوى، لم يبق من التاريخ شيء.

فإن بقي شيء لم يكن تاريخاً بل عملاً كتابياً يُكد فيه الذهن ويُعنتُ الخاطر

لغرض من الإبداع أو الإغراب أو التفلسف أو التضليل ونحوها من الأغراض

العقلية - أيها كان إلا غرضَ التاريخ.

وانظر كيف يصنع هذا الخلط، قال أستاذ الجامعة في صفحة 52: وفي

الحق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكد يدع هذه الدنيا - هذا تعبير المبشرين، كأنه حازها ثم تركها، أما التعبير الإسلامي فهو: لم يكد يلحق بربه، أو بالرفيق الأعلى - حتى اختلف المهاجرون من قريش والأنصار فى الخلافة أين تكون ولمن تكون؟ وكاد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015