ويا عليل الطرف أين منك الدواء، وما هذا الحاجب إلا حاجباً محكمة
الهوى. . .
* * *
وبعد فلندع الجامعة في أستاذها ولتسخر من الأمة ما شاءت، ولكنا نريد
أن نفهمها أن السماجة كل السماجة في أستاذها أنه يزعم في كتابه تصحيح
الحياة الأدبية الإسلامية، وقد علم أنه ما كان فيها ولا شارك أهلها ولا أحاط
بأسبابها، ولا هو يتولاها بالذهن اللطيف والبصيرة النافذة والطبع الشعري وما يشبه أفكار أهلها ومنازعهم وأغراضهم، بل يزعم في غرور أي غرور أنه تجرد من العاطفة والدين ليدرس ويستثبت ويحقق، وهو لو كان على علم وبصر وكان قد توفر على ما هو بسبيله من هذا الأدب للبس ولم يتجرد. فكان يكسو فكره وخياله عواطف العرب وأذواقهم وعاداتهم وطبائع عصرهم، ويقارب أذهانهم
الحِداد وقرائحهم القوية، ثم يقول بعد ذلك في تاريخهم، وتاريخ أدبهم وينكر
ويثبت. فإنه أحرى أن يقبل منه؛ إذ يكون كأنه اتصل بالحادثة التي يؤرخها بمثل ما يرده العيان والمشاهدة على من عاين وشاهد، وكأنه شارك فيها بإيجاد
وخلق، فمن ثم لا يقول فيها من هو أصدق منه أو أقرب إلى الصدق؛ ويكون فيما يحكيه أو يصفه أو يستنبطه كأنه بقية دهر تصف دهرها، فما ثم إلا القبول منه والمصير إلى قوله ورأيه؛ وينزل عصره منه منزلة الفتى الناشئ الذي يسمع لقصة الهرِم الفاني الذي يقصها عن نفسه.
من أين للفكر المستفاد من عصرنا هذا عصر الشك والإلحاد أن يستبطن
خفايا العصور المؤمنة الغالية في إيمانها، ومن أين للعقل الذي تنشئه أسباب
التخنث ويقوم على النعمة واللين والحياة الوادعة أن يمضي في أسرار الأعصر
المخربة المدمرة البالغة في جبروتها؛ وليت شعري عن أستاذ الجامعة إذ يجانس
فكرُه الغربي الأوروبي ذلك الفكرَ الشرقي العربي حتى يقع التمازُجُ بينهما. هل يكون كلا الفكرين إلا سبًّا للآخر ونقضاً عليه؟ كما ظهر في كتابه الذي سب تاريخ الأدب به وسبه به تاريخُ الأدب؟
أنت يا راكب السيارة وممتطي القطار تزعم أن الحمق أشد الحمق أن
تمتطي الناقة أو تركب الجمل فتزري عليهما وتحقر شأنهما وتقول فيهما ما يبلغ لؤمُ القول، ثم تجاوز بهذه السمة إلى أهل الناقة والجمل، ثم تتعداهم إلى
عصرهم فتقول عصر البطء والبلادة والقلة وضياع الوقت والإسراف في إنفاق العمر وكيت وكيت؛ ولكن أيها الأحمق غامر بنفسك مرة في الصحراء وارتم