التكذيب والرد والنقيصة والزراية عليه وعلى أهله والخبط ما بين أصوله
وفروعه، على أن لا يستخرج من بحثه إلا ما يخالف إجماعاً، أو يعيب فضيلة، أو يغض من دين، أو ينقض أصلاً عربياً جزلاً بسخافة إفرنجية ركيكة، أو يحقر معنى من هذه المعاني التي يعظمها الجامدون أنصار القديم من القرآن فنازلا، وبالجملة فالتجديد أن تكون لصاً من لصوص الكتب الأوروبية، ثم لا تكون ذا دين؛ أو لا يكون فيك من الدين إلا اسمك الذي ضُرِب عليك فلا حيلة لك فيه ولا تستطيع أن تستدرج منه إلا في أولادك المساكين كما فعل أبو مرغريت الشيخ (?) . . . ثم لا حاجة للجديد بإلحادك وزيغك إلا إذا طبعتَ بأحدهما أو كليهما مسائل التاريخ الإسلامي والأدب العربي، وأفسدت الخالص بالممزوج.
وحقرت الناس والمعاني، وكنت حراً طليقاً من قيود السماء والأرض إذا
صدرت أو وردت، فتقول على قدر عقلك، ثم تعقل على قدر زيغك، ثم تزيغ قدر ما أنت قادر!
أما إن بحثت وقايست وتعقلت وكنت أذكى الناس وأبلغ الناس، ثم كنت
لا تستخرج من التاريخ والأدب إلا ما يزينهما ويزيدهما ويكشف عن أسرارهما وحقائمهما الصحيحة، ولم تكن لص كتب أوروبية ومذاهب أوروبية فالويل لك فما أنت إلا قديم وما أنت إلا نفس حجرية ولو المسلمون
تقديس الكعبة وحجرها، وإن العصر لفي غنى عنك وعن كتبك وآرائك لأن
خمسة أو ستة - أو خمسين أو ستين - هم العصر وهم الأمة وهم من التاريخ
المترامي إلى المستقبل كالقطار: فيه ما فيه من عربات تحمل من العروض على
أجناسها وأنواعها ومن الناس على درجاتهم وطبقاتهم، ولكن الخمسة أو الستة هم وحدهم عربة الآلات والبخار وفحم نيوكاسل. . .
بل أيها المجددون، غير أنه ليس على الأرض معصوم من الخطأ، وغير
أننا نعرف أن غلطة العالم تدل على علمه كما يدل صوابه.
وأن شبهة الجاهل تدل على جهله كما يدل خطأُه، إذ كان الأول متحرزاً يتوقى جهده، وكان الثاني متحمقاً يسترسل جهده، فعلى قدر قوة الشبهة وضعفها، وبحسب نوع الغلطة وشكلها، يُعرف نوع الفكر وتتبين حالة العقل، وبهذين تعرف صفة النفس، وبالنفس لا بغيرها يقوم التاريخ الإنساني.