فتعالوا نسألكم لو أن عيسى عليه السلام كان مَعه مائة ألف من أمثال
الخواجة المجدد سلامة موسى أيكون معه إلا مائة ألف مكابر سخيف
يفسدون عليه ولا يُغنُون في أمره ما يغني رجل واحد من أولئك الصيادين الذين كانت في أنفسهم الصافية روحُ الماء العذب!
ولو أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان معه خمسمائة ألف من أمثال الشيخ المجدد طه حسين، أفيردون عليه ما رد عربي واحد قلبُه روحُ سيفه؟
أرأيتم الآن أيها الفضلاء جداً.. أن الأمم في غنى عنكم، وأن حاجتها
كل الحاجة إنما هي إيمانها وقديمها، وأنكم لا تنزلون منها ومن تاريخها
وأسباب تاريخها إلا منزلة الثرثرة في المعنى الصريح من المعنى الصريح، وأن
مَثلكم معها كمثل حادثة تاريخية عظيمة أخذت ما أخذت من الناس وتركت ما تركت فيهم حتى مضت لسبيلها وصارت حديثاً في الأحاديث، جاء رجل
متسكع متلكع فاحتسى ألف كأس من الخمر وأحرق ألف دخينة من التبغ
وأضرم النار وروح النار على دماغه ليخرج من دماغه رواية تمثيلية في تلك
الحادثة تزخرفها بالكذب وتزينها بالفلسفة وتزيدها بالتحليل والمنطق وتجملها
بالخيال والشعر، ثم لا تكون مع هذا كله في جنب الأصل إلا مَلهاة وهزءا
وسخرية ليس فيها إلا حسام لا يقطع، وبطل لا يمنع، ونار لا تحرق وبحر لا
يغرق؟
أتظنون أنْ التجديد لا يقوم إلا بالهدم، وهل يبلغ ما أنتم فيه من الحماقة
وضعف البصر بعواقب الأمور وأسرار الأشياء أن تقولوا إن البناء الجديد لا يقوم إلا بعد هدم القديم وإزاحة أنقاضه وإقرار الجديد في موضعه؛ أهو بناء من الطوب والحجارة والأخشاب ترفعون هذا وتضعون هذا، أم هو بناء بالكلام على أرض من الورق، فكل ما جاء ليبنى بَنَى وكل ما جاء ليهدم هدم؛ أفلا تعلمون أن القديم لا يهدم ألبتة لأنه هو الذي يُباع الجديد ويشقه؛ فإن هُدم في أمة من الأمم زال الجديد بزواله ولم يبق من الأمة إلا بقايا لا تستمسك على حادثة ولا تقر على صدمة.
وأن سنة الكون في الجديد أنه ترميم في بعض نواحي القديم وتهذيب في بعضها وزُخرُف في بعضها الآخر، وإلا لوجب أن