أما والله إن المغفل هو الذي يحسب أن سنن الكون تنشئ له أمة
جديدة بكتاب ككتاب الشعر الجاهلي، وتفسد له أمة قديمة بمجموعة
كمجموعة قصص السياسة، ثم لا يعلم أن الفاسق الفاجر يكون من الهوان
على الله بحيث لا يجعل الله أمره في هذه الأمة المسلمة يزيد شيئاً على حانة
في شارع في مدينة.
كلما نظرنا في كتاب "الشعر الجاهلي" لم نزدد إلا يقيناً. بأن هذا الأستاذ
الذي يسبح بمذهب ديكارت هو أشد الناس خروجاً في كتابه على هذا
المذْهب، فإنه لا يكتب ولا يفكر إلا لغرض واحد - يبتغي له وسائله وأسبابه بكل ما استطاع، وهو توهين أمر الإسلام وصدعه من مفاصله وتفكيك العُقَد
المحكمة التي يتماسك بها في تاريخه وناهيك به دائباً يجمع من هنا وهناك من
أثينا إلى مكة. . .!
فالأستاذ لا يبحث كما يدعي وكما هو الأصل في مذهب ديكارت، وإنما
يقرر تقريراً، وشتان بين بحث يراد منه ما ينتجه من غير تعيين لنتيجة محتومة.
وبين تقرير النتيجة التي يساق لها البحث وتجمع لها الأدلة، فإن الأول يصلع
على التجرد من الأسباب التي تؤثر في الرأي كالعاطفة والعصبية وغيرهما، وأما الثاني فزَعمُ التجرد فيه حماقة وسخرية؛ لأن النتيجة المعينة لا تجاذب إلا
مقدماتها. وهذه المقدمات - لا تستدعي إلا أسبابها، وهذه الأسباب لا تقوم إلا بأحوال مقررة منها الرأيُ والعصبية والميلُ والهوى ونحوها؛ وذلك ما حمل طه في اقتحام هذه - الخطة وركوب - هذا النهج، على ما فعل من تحريف النصوص وإرادتها لما ليس فيها؛ وعلى ذلك الخبط من سوء الفهم وفساد الاستنتاج، ومن أجل ذلك تناول الدين بالتكذيب والرد، وتعصَّبَ تلك العصبية الحمقاء في تأويله وسياق أدلته، وجعل الشبهة حجة والحجةَ شبهة. ليستوي له أن يخالف الإجماع، فإذا خالفه نقضه، فإذا نقضه وظن أنه قد تهيأ له نسق تاريخي ولو مزوراً مكذوباً عاد بالهدم على التاريخ وعلى الأسباب الطبيعية الواشجة فيه وكسر كل قياس كان العلماء يقيسون عليه، فيتم له. بذلك ما يسميه هو وأمثاله
جديداً وهو من السخف - بحيث ترى.
ولسنا نتحرج أن ننبه هنا إلى أصل هذا الجديد الذي يزعمونه ويتشدَّقون
به، فكل فاسق، وكل ملحد، وكل مقلد أحدَ هذين، وكل متهوس بإحدى هذه العلل الثلاث - هو مجد إذاً جرى في انتحال الأدب العربي وتعاطيه مجرى