ولا غيرها مما يصرفه إلى الكناية والإشارة والغميزة ويجعل بعض شره في بعض
خيره ويفسح له من أبواب البلاغة في باب التوجيه والتعاليل فلم يبق إلا الخلط والخبط والحماقة والدعوة الفارغة ومحض التشبه وما يجري هذا المجرى.
وما علم هذا المقلد مع الفارق أن أكثر إلحاد المعري إلحاد شعري تجيء
به القافية ويحمل عليه التخيل، فهو من بعض الوجوه في باب الشعر كالقول في الخمر والغزل والمجون والسفه وما يتصل بها؛ فلما فقدنا هذا من طه لم نر إلا الحثالة والقشر، فهو المعري الذي بقي من المعري في مُنخل الأدب!
وهذا التصريح منه بالتقليد والاحتذاء يُسقط الثقة به وبما يدعي من حرية الفكر، لأن الحرية لا تأتي بتقليد الأحرار، ولكن بالاشتمال على وسائلهم وأسبابهم ومواهبهم، وأما بغير ذلك فلا حرية وإنما هناك غرض من التقليد يقلد الحرية حتى في اسمها، وكل أعمال المقلد تُحمل منه على هذا الغرض الدنيء لا على ذلك المبدأ السامي.
والأمر الثاني الذي نخشاه من طه أنه أداة أوروبية استعمارية تعمل في
إفساد أخلاق الأمة وحل عروتها الوثقى من دينها في أدبه ولغته وكتابه وتحقير
كل من يتسم بشيء من ذلك عالماً أو متعلماً أو متورِّعاً، فهو دائب في إزالة ما وقر في نفوس المسلمين من تعظيم نبيهم وكتابهم وإيثار دينهم وفضيلتهم
وإجلال علمائهم وسلفهم، مرة بالتكذيب، ومرة بالتهكم ومرة بالزراية، ومرة بإفساد التاريخ، ومرة بنقل الأخلاق الفاحشة المتعهرة من مدينة الفرنسيين، وهلم جرا! حتى كأنه شيطان عاقبه الله فطمره في جلد إنسان، وتالله لو تم لهذا وأمثاله ما أرادوا فاجترأ الناس على دينهم وكتابهم وعلمائهم، وسخروا من تاريخهم وتقطع ما بينهم وبين أسلافهم، وخاطروا بما في أيديهم من دين وعلم وتاريخ وفضيلة على ما تسميه صناعة الكتابة مدنية وفناً وفلسفة - إذن تكون أوروبا قد بلغت منا بمدافعها وجنودها وحيلها ودهاتها بعض ما بلغت بهذه الأدوات الإنسانية التي تسمى طه حسين وفلاناً وفلاناً. . .
أما إن هذه فئة من الناس، ولكنها كذلك فئة من المذاهب، والمصيبة أنهم
ما فيهم من فيلسوف ولا عالم ولا أديب ولا من يستطيع أن يقول هذه فلسفتي وهذا علمي وهذا أدبي، بل كلهم عيال على أدب أوروبا وعلمها وفلسفتها وكلهم مقلد وكلهم سارق وناقل؛ فإذا كانوا على هذه الصفة ثم رأيناهم قد زاغت عقائدهم وفسدت طباعهم وانتقلت أهواؤهم أفيكونون بيننا إلا من وسائل التدمير والخراب والاستعمار، شعروا أو لم يشعروا وأرادا أو لم يريدوا؛ وماذا