من الدليل بقيده والاتساع في الدليل على إطلاقه، وما يرى ابن سلام إلا أن

كثرة ما ضاع من شعر طرفة وعبيد إنما كان لأنهما أقدم الفحول، فبعد العهد به ومات بموت من علموه من عرب الجاهلية.

فهذا نص على بعض أسباب ضياع ما ضاع من الشعر إن كثيراً أو قليلاً، ثم في عبارته نص آخر ينقض كتاب الجامعة كله، وهو إثبات أن لنا "رواة مصححين"، وأنهم صححوا لطرفة وعبيد

قصائد بقدر عشر، وأثبتوا أن ما عداها غثاء حُمل عليها حملاً.

ويلزم من هذا أنهم درسوا الشعر وجمعوه وحققوا روايته وأثبتوا الصحيح ونصوا عليه وميزوا المنحول وردوه وفصلوا الشعراء وقالوا في كل منهم وعارضوا بين الأقوال ورجحوا واستدلوا واحتجوا وناظروا، فوجب من ثم أن نصير إلى قول أولئك المصححين ونأخذ بعلمهم ونقف عند ما نضوا عليه، لأنهم كانوا أهل هذا العلم ولا أهل له من بعدهم إلا بِصلة تنتهي إليهم؛ وهو ظاهر أن هؤلاء الرواة لم يُثبتوا في كتبهم إلا ما صح عندهم، وأنه ليس على الأرض اليوم من يستطيع بعض ما فعلوه، لأننا بالإضافة إليهم أمة من الأعاجم؛ وبديهي أن ما يكون من وسائل العلم والرواية والنقد بعد مائة سنة من تاريخ الجاهلية لا يكون مثله ولا بعضه ولا بعض من بعضه بعد أربعمائة وألف سنة، وخاصة مع انقطاع الأسانيد

وضياع الكتب؛ فأين هذا كله مما يذهب طه إليه وما خرف به في كتابه؟

ويقول شيخ الجامعة في صفحة 67 بعد أن بين أن العصبية كانت من أهم

الأسباب التي حملت العرب على وضع الشعر ونسبته إلى الجاهلية، قال: وقد رأيت أن القدماء قد سبقونا إلى هذه النتيجة؛ وأريد أن ترى أنهم قد شقوا بها شقاء كثيراً، فابن سلام يحدثنا بأن أهل العلم قادرون على أن يميزوا الشعر الذي ينتحله الرواة (كذا وهو يريد الوضع لا الانتحال) (?)

في سهولة، ولكنهم يجدون مشقة وعسراً في تمييز الشعر الذي ينتحله العرب أنفسَهم!.

انتهت (الترجمة) أما الأصل المعرَّب العربي فهو: " ثم كانت الرواة بعدُ

فزادوا في الأشعار، وليس يشكل على أهل العلم زيادة ذلك ولا ما وضع

المولَّدون وإنما عَضَل بهم أن يقول الرجل من أهل بادية من وَلَدِ الشعراء أو

الرجلُ ليس من ولَدِهم، فيشكل ذلك بعض الإشكال" اهـ.

فانظر إلى الفرق البعيد بين قول ابن سلام: "الرجل من أهل بادية" وبين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015