الماضية أن مجلة الجمعية الأسيوية نشرت بحثاً للشيخ. . . مرجليوث المستشرق الإنجليزي المعروف، أنكر فيه صحة الشعر الجاهلي، ثم ساق لنا الأستاذ بعض أدلته فلم نجد مقنعاً ولا رضا، وقلنا هو رأي في العلم لا عِلم، ثم هو من مستشرق وذلك أوهن له، وما كان لنا أن نأخذ عن القوم في الأدب العربي إلا بتمريض واحتراس.
ولما فتحت الجامعة إذا المسشر. . . طه حسين ينتحل الفكرة ويدعيها
ويبوب لها أبواباً ويفصل فصولاً ويدرس ذلك فى الجامعة، فباءت هذه الجامعة
المسكينة من عمله بالخزي والفضيحة، واستمتع هو بمنزلتها وأموالها؛ والجامعة كما رأيناها مريضة يتحامل بعضها على بعض، حتى لو طنت عليها ذبابةُ انتقاد لفزعت وخافت، أما الشيخ فلو قرضوا جلده بالمقاريض لما أحس شيئاً، كأنَّ الله تعالى خلق نصف دمه من "الكلورفورم " فجلده مبنج في كل وقت. . .
ولنرجع إلى ما كنا فيه من النصوص، فانظر كيف يصنع شيخ الجامعة.
قال في صفحة 66: "ولابن سلام مذهب في الاستدلال لإثبات أن أكثر الشعر قد ضاع، لا بأس أن نلم به، فهو يرى أن طرفة بن العبد وعبيد بن الأبرص من أشهر الشعراء الجاهليين وأشدهم تقدماً، وهو يرى أن الرواة المصححين لم يحفظوا لهذين الشاعرين إلا قصائد بقدر عشر، فهو يقول: إن لم يكن هذان الشاعران قد قالا إلا ما يحفظ لهما فهما لا يستحقان هذه الشهرة وهذا التقدم.
وإذن فقد قالا شعراً كثيراً ولكنه ضاع ولم يبق منه إلا هذا القليل، وشق على
الرواة أو على غير الرواة ألا يروى لهذين الشاعرين إلا قصائد بقدر عشر
فأضافوا إليهما ما لم يقولا".
انتهت الترجمة. . . أما الأصل في اللغة العربية فهو: "ومما يدل على
ذهاب العلم وسقوطه قلة ما بقي بأيدي الرواة والمصححين لطرفة وعبيد.
والذي صح لهما قصائد بقدر عشر، وإن لم يكن لهما غيرهن فليس موضعهما
حيث وُضعا من الشهرة والتقدمة، وإن كان يروى من الغثاء لهما فليسا يستحقان مكأنهما من أفواه الرواة، ونرى أن غيرهما قد سقط من كلامه كلام كثير.
غير أن الذي نالهما من ذلك أكثر، وكانا أقدم الفحول؛ فلعل ذلك لذلك، فلما قل كلامهما حُمل عليهما حمل "كثير".
انتهى النص، وعارِض أنت بلاغة ببلاغة ولغة بلغة، وقابِل بين ما ذهب
إليه طه وما أراد ابن سلام؛ فمهما أخطأ فلن يخطئك أن تعرف الفرقَ بين الثرثرة والقصد، وبين هزيل الكلام وسمينه؛ وبين صحة الفكر وفساده وبين الأخذ