بشريعة تنسخ الشرائع، ودينِ يتمم الأديان وعبادة تمحو العبادات، فكان لا بد من ذكر كل ذلك فيه بإجمال حين يُجمل وتفصيل حين يُفصل وقَصص حين يقصى وبرهان - حين يحتج وقياس حين يقايس، - وأنه ما هو عاطفة شاعر ولا وصف كاتب ولا حكاية مؤرخ ولا حيلة قاصٍّ روائي، ولا هو بعلم على قياس فكر طه حسين مدرس الجامعة المصرية. . .
لقد تناولت الآن هذا الكتاب الكريم عندما انتهيت في الكتابة إلى هذه
الكلمة وسألت الله أن يخرج لي آية تشير إلى طه حسين وغروره وحماقته
وتخاليطه، ثم فتحته على هذه النية فوالله لقد خرج قوله تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4) .
ويا أسفاً ثم يا أسفاً - ثلاث مرات، كما يقول الفرنسيون - لو فهم طه ما في قوله: (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ) إذن لأكل نصف أصابعه عضاً من الندم!
القرآن يا شيخ الجامعة يقارع أدياناً فهو يذكرها ويصفها ويحتج عليها.
فماذا يقارع الشعر الجاهلي ليذكر الأديان والشعور الديني القوي؛ وهذا على أنك لم تحط بهذا الشعر ولا بأكثره ولا بكثيره، وعلى أن ما انتهى إليك في الكتب إنما هو ما اختاره الرواة والعلماء للغة والفن والصناعة، لا للتاريخ ولا للبحث التاريخي ولا "لتشخيص" عصر من العصور، ولو هُم أرادوا ذلك وفطنوا له لجاءتك كتب وافرة مصنفة وتاريخ تام محفوظ ولكنهم أهملوا من أمر الشعر في اتصاله بالتاريخ وأسبابه ومعانيه مثل الذين أهملوا في ذلك من أمر اللغة، كما كانت تقتضيه طبيعة عصرهم وعلومهم.
أفليس الحمل على هذا المعنى أقربَ إلى العقل من ذلك الهذيان؟
* * *
وفي ص 20 من كتاب طه حسين ترى الجهل المركب تركيباً مزجيا
كبعلبك ومعديكرب. . . فهو يزعم أن القرآن يمثل للعرب حياة عقلية توية في الجدال الديني والفلسفي، لأنه وصفهم بشدة الخصام.
قال: "وفيم كانوا يجادلون ويخاصمون ويحاورون؛ في الدين وفيما يتصل بالدين من هذه المسائل المعضلة التي ينفق الفلاسفة. . . فيها حياتهم "
فيا فضيحة الجامعة المصرية في جامعات الأمم! ألا يتفضل أستاذها على الأدب والتاريخ فيذكر لنا مجلساً واحداً من هذه المجالس العربية الفلسفية وما دار فيه من البحث والتحقيق والجدل والخصام والمحاورة في معضلات الفلاسفة التي ينفقون فيها حياتهم، لنصدق أن معنى اللَّدد والخصام الواردين في القرآن صفة للعرب إنما هو الحوار في