من أقبح ما في كتاب الدكتور طه حسين أنه يعلن في مقدمته تجرده من
دينه عند البحث، يريد أن يأخذ النشء بذلك، اتباعاً لمذهب ديكارت
الفلسفي الذي يقضي على الباحث بالتجرد من كل شيء عندما يبحث عن
الحقيقة.
قال الأستاذ: يجب حين نستقبل البحث عن الأدب العربي وتاريخه أن
ننسى قوميتنا وكل مشخصاتها " وأن ننسى ديننا وكل ما يتصل به!.
وهذا لعمري هو منتهى الجهل، فإنه هناك فرقاً بين البحث عن حقيقة
فلسفية عقلية محضة، وبين البحث عن حقيقة أدبية تاريخية قائمة على النص
وقول فلان وفلان، وإذا هو نسي دينه (وتأمل ما في هذه العبارة) فماذا يكون من أثر هذا التاريخ ما دامت المادة التاريخية لم تجتمع له كما أسلفنا، وما دام الأستاذ مبتلى بالنقص من كل جهة.
أما إنه قد نسي دينه حقيقة في رده على كليمان هوار المستشرق الفرنسي
الذي زعم أنه اهتدى إلى مصدر عربي من مصادر القرآن هو شعر أمية بن أبي
الصلت "الذي يجب أن يكون النبي قد استعان به كثيراً أو قليلاً في نظم القرآن "
كما جاء في كتاب طه، (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5) .
وقد كان رد أستاذ الجامعة الذي نسي دينه أنه أنكر الاستعانة بشعر أمية ولكنه لم يرد على حماقة هوار في زعمه أن القرآن من نظم النبي، بل سكت عن ذلك، بل قال بالحرف الواحد في صفحة 83: "ليس يعنيني هنا أن يكون القرآن قد تأثر بشعر أمية أو لا يكون"
فالأمر عنده على حد الجواز كما ترى، وليس يعينه أن
يكون دينه ودين أمته صحيحاً أو كذباً. . .
ولو كان طه حسين بليغاً من أئمة البلاغة لقلنا: رأي رآه وإن كان كفراً وإلحاداً، ولكنه هو هو هو. . . على أن
كلامه في هذا الكتاب عن القرآن الكريم كلام من "نسي دينه" بل كلام من لا دين له، فليس في الأمر عنده معجزة ولا إعجاز ولا تنزيل.
وسيأتي هذا مفصلاً بعدُ.