اللون ليس بأبيض فيجوز أن يكون أسود، وما الفضل بين يجوز أن يكون ولا
يجوز أن يكون إلا موهبة من الله إذا هي لم توجد لم يُغنِ البرهان من الحق
شيئاً، ولا يزال أحد الرجلين مع الآخر في لجاج ومكابرة قد تهاترت بيناتهما
وسقطت، لأن المنطق لا يصح منه إلا ما صحح العقل منه، فحيث لا قيمة
للعقل فلا قيمة للمنطق.
وإنه لولا ضعف خيال الدكتور طه وبُعدُه من الصناعة الفنية في الأدب
واستسلامه لتقليد الزنادقة وبعض المستشرقين الذين لا يوثق برأيهم ولا بفهمهم في الآداب العربية، ثم لولا هذه العصبية الممقوتة التي نشأت فيه من هاتين الصفتين إلى صفات أخرى يعرفها من نفسه حق المعرفة، لكان قريباً من الصحة فيما يرى، ولتدبر الأمور بأسبابها القريبة منها، واستعان عليها بما يُصلحها.
ولتوقى بذلك جناية التهجم التي هي في أكثر أحوالها علم الجهلاء وقوة
الضغفَى وكياسةُ الحمقى وعقل الممرورين.
على أن العصبية هي دائماً نصف الجهل وإن كانت في أعلم الناس
وأذكاهم، وقديماً أفسدت من تاريخ الأدب العربي أكثر مما أفسد الغلط والجهل معاً.
وقد نقحوا على أن ذهاب الواضح الجلي من الأدب الذي لا يُمترَى فيه
إنما يكون على اثنين، أحدهما: من لم يكن مُرتاضاً بالصناعة متدرباً بالنقد
بصيراً بما يأتي ويدع، والثاني: الرجل العالم يعرف أنه يعرف ثم تحمله العصبية
على دفع العيان وجحد المشاهد فلا يزيد على التعرض للفضيحة والاشتهار
بالجور والتحامل.
هذا في العالم المتدرب المرتاض، فكيف بالعصبية في العالم القائم على
ركن واحد من ثلاثة أركان؟
فإن أستاذ الآداب يجب أن يجمع إلى الإحاطة بتاريخها وتقصي موادها ذوقاً فنياً مهذباً مصقولاً، وليس يمكن أن يأتي له هذا
الذوق إلا من إبداع في صناعتي الشعر والنثر، ثم يجمع إلى هذين الإحاطةِ
والذوقِ تلك الموهبةَ الغريبة التي تلف بين العلم والفكر والمخيلة فتبدع من
المؤرخ الفيلسوف الشاعر العالم شخصاً فوق هؤلاء جميعاً هو الذي نسميه
الناقد الأدبي.